13 شباط 1991 – قصف ملجأ العامرّية في بغداد
في فجر يوم 13 شباط / فبراير 1991، قصفت القوات الجوية الأمريكية ملجأ العامرية في العاصمة العراقيّة/بغداد. وأسفر هذا القصف عن مقتل أكثر من 400 مدني معظمهم من النساء والأطفال والمسنيّن. وزعمت الولايات المتحدة أن الملجأ هو مركز للقيادة والسيطرة العسكرية، وبالتالي عدّته هدفاً مشروعاً لهجومها. ولكن بعد وقت قصير من التفجير أصبح واضحا أن الولايات المتحدة تدرك جيداً الطابع المدني للملجأ، وبالتالي فأنها تعرف انّه ليس هدفاً عسكرياً مشروعاً. ولذا، فأن هذا الهجوم يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، ويشكّل جريمة حرب لا يمكن نسيانها. ومع ذلك، لم تحاسب الولايات المتحدة أبدا عن هذه الجريمة الفظيعة لحد الآن.
إن البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف يوضّح لماذا يشكل تفجير ملجأ العامريّة جريمة حرب. إذ ان واحدة من أبسط القواعد في القانون الدولي الإنساني وهي الواردة في المادة 52 من البروتوكول الاول تنصّ على حظر مهاجمة الأعيان المدنية. ويوضح البروتوكول في (المادة 62 الفقرة 3) أن الملاجئ المخصّصة للسكّان المدنيين هي أعيانٌ مدنية وهي محميّة من الهجمات العسكرية. ولا تتوقف حماية الملجأ إلاّ عندما يُستخدم الملجأ لارتكاب أعمال ضارّة تجاه العدو. وعندما يكون هذا هو الحال، يجب على العدو إعطاء تحذير. وعندما لا تتوقف الأفعال الضارة، القادمة من الملجأ، بعد التحذير - عندئذ فقط - يصبح الملجأ هدفا عسكريا مشروعاً. وعلاوة على ذلك، ينص القانون الدولي الإنساني على وجوب إنقاذ السكان المدنيين أثناء العمليات العسكرية (المادة 57 من الدستور الأول). فأثناء التخطيط لهجوم، يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة للتأكد من أن المدنيين أو الأهداف المدنية ليست هدفاً للهجوم. وينبغي أيضاً أن تكون الوسائل والأساليب المُستخدمة أثناء الهجوم متناسبة مع الهدف وأن تتجنب الأضرار التي لحقت بالسكان المدنيين. وعندما يتوقع أن يضرً الهجوم بالمدنيين والأعيان المدنية، يجب أن تكون الميزة العسكرية المباشرة المتوقعة أكبر من الخسائر المدنية المتوقعة. ويجب توجيه إنذار مسبق فعال بالهجمات التي قد تؤثر على السكان المدنيين.
وإذا طبقنا هذه المواد على قضية ملجأ العامرية، يصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لم تلتزم بالقانون الدولي الإنساني مطلقاً. أولا وقبل كل شيء، لأن الولايات المتحدة تعرف أنه خلال الحرب العراقية - الايرانيّة فأن منشأة العامريّة قد استخدمت كملجأ مدني، وفي كل الأحوال فلا شكّ في أن الولايات المتحدة على علمٍ بأن المرفق كان هدفاً مدنياً ويتمتع بالحماية. وعلاوةً على ذلك، فان المعلومات المتوافرة لمركز جنيف الدولي تؤكدّ أن هناك عدة علامات تُشير إلى مرفق العامريّة كملجأ مدني. وكان موقع الملجأ معروفاً بل ومعلناً عنه من قبل السلطات العراقيّة. وتذرّعت الولايات المتحدة بعدم رؤية المدنيين الذين يدخلون الملجأ. لكن الحقائق تشير الى انه كان بالإمكان رؤية الاعداد الكبيرة من المدنيين يغادرون الملجأ في الصباح ويعودون اليه نهاية النهار وأن العديد من الأطفال كانوا يلعبون حول الملجأ معظم الأوقات. والمعروف ان الملجأ يقع في حي سكني بالكامل هو حيّ العامرية. ولذلك لا يوجد شك في أن الولايات المتحدة كانت على معرفة تامة بالطابع المدني للملجأ. ومن هنا، فإن الولايات المتحدة لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، ولم تصدر أية تحذيرات. وهذا يعني أن القوات الأمريكية لم تمتثل لأي من مواد القانون الدولي الإنساني المذكورة أعلاه.
لقد كانت الولايات المتحدة تدرك جيدا الوضع المدني للملجأ، وأن الحي كان مأهولاً بالمدنيين. ولهذا السبب، يخلص المركز إلى أن القوات الأمريكيّة قتلت عمداً أكثر من 400 من المدنيين العراقيين الأبرياء عندما أطلقت القنابل على ملجأ العامرية. وبسبب ثقل التفجيرات لم ينج الكثير من شاغلي الملجأ. وعندما تمكن عمال الطوارئ من دخول الملجأ وجدوا جثثا محترقة. وهنالك جثث لا تحصى وجدت ملتصقة بالجدار، مما يدل على قوة القنابل التي استخدمت لمهاجمة الملجأ المدني.
ولذا فمن الواضح أن تفجير ملجأ العامريّة يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني، وينبغي اعتباره جريمة حرب. ومما يؤسف له ان الولايات المتحدة لم تُحاسب بعد عن جريمة الحرب هذه أو عن أي من جرائم الحرب الأخرى التي ارتُكبت خلال حرب الخليج. ويضاف الى ذلك، جرائم الحرب التي ارتكبت في أوقات أحدث من قبل القوات الأمريكية في العراق. ففي عام 2003 غزت الولايات المتحدة العراق بطريقة وحشية للغاية، ومنذ الغزو ارتكبت الولايات المتحدة العديد من جرائم الحرب على أراض العراق ضد الآلاف من العراقيين. وحتى يومنا هذا، لم تتم مساءلة الولايات المتحدة عن تلك الجرائم والجرائم التي ارتكبت في عدوان 1991.
ويحثّ مركز جنيف الدولي للعدالة الأمم المتحدة على تحقيق العدالة لشعب العراق من خلال محاسبة مرتكبي كل الجرائم والانتهاكات. ويوصي مركز جنيف المفوضية السامية لحقوق الإنسان بممارسة جميع التدابير اللازمة لإنشاء لجنة دولية مستقلة. ويتوجب على هذه اللجنة المستقلة التحقيق في جميع الانتهاكات في العراق منذ عام 1991. كما يتوجب على الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية مكلفة بمحاكمة جميع مرتكبي الجرائم الدولية على ارض العراق خلال العقود الثلاث الماضية.
Click here for the English version.