صوّت البرلمان العراقي يوم الأربعاء 1 تشرين الثاني/ نوفمبر2017 على تعديلات لقانون الأحوال الشخصية من شأنها ـ من بين قضايا سلبيّة كثيرة ـ اضفاء الشرعية على زواج الاطفال فى البلاد. وبتلك التعديلات فقد وافق مجلس النواب العراقي "مبدئيا" على السماح بالزواج من الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهنّ 9 سنوات. وقد واجهت التعديلات المقترحة التي تقلّل إلى حدّ كبير من سن الزواج وتعزّز تعدّد الزوجات، معارضة قويّة من أعضاء داخل البرلمان ومن تحالف واسع من جماعات المجتمع المدني. ووصف النقاد التعديلات المقترحة بأنها "اغتيال للطفولة" أو "قتل للأطفال"، ويخشون من أنها ستثير التوترات الطائفية بفرض الفقه الديني في مسائل الأحوال الشخصيّة. ويعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن استيائه من المحاولات المستمرّة التي تقوم بها الكتل المحافظة لفرض تشريع صارم يقوض الدعائم الدستورية للمساواة بين الجنسين وحقوق الطفل والحريات الأساسية ويهدد بتفاقم التوترات الطائفية.

 

تشريعات متخلّفة

وفي الوقت الذي سيطرت فيه الحكومة العراقية على معاقل داعش الرئيسية، فإن التشريع المقترح يثير الشكوك حول الأحكام التي يبدو أنها تذكّرنا بتلك التي يتّبعها التنظيم المتطرّف نفسه. ومن شأن إصدار القانون أن يشكّل خطوة مدمرة وتمييزية إلى الوراء بالنسبة للنساء والفتيات العراقيات. وعلاوةً على ذلك، فإنه يتنافى مع الضمانات الدستورية للعراق من أجل حرّية المعتقد الديني.

إن التعديلات المقترحة تقوّض الأحكام الحالية لقانون الأحوال الشخصية (رقم 188) لعام 1959، التي تحدّد سن 18 عاما كعمر زواج رسمي وتعتبر من أكثر القوانين تقدماً في المنطقة فيما يتعلق بحقوق المرأة وحقوق الطفل. ومن شأن هذه التغييرات أيضا أن تيّسر تعدّد الزوجات لأن الرجل لم يعد مطلوباً منه بعدُ الحصول على إذنٍ من القاضي بالزواج من عدّة زوجات.

لقد منح قانون الأحوال الشخصيّة لعام 1959 المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل، واستند في ذلك إلى مبدأ المواطنة الأساسي الذي أسست عليه الدولة العراقية الحديثة منذ ما يقرب من 90 عاماً. ومن شأن التشريع المقترح أن يقضي على هذه الأحكام، بل ينتهك حقوق المرأة الأساسية ويصنّف العراقيين على أساس طائفي. إضافة إلى انتهاك حقوق الطفل الأساسية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التي صدّق عليها العراق في عام 1994، فإن الأحكام من شأنها أن تقوّض بشكل خطير حقوق الإنسان للمرأة وتتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 لعام 2000 بشأن المرأة والسلام والأمن الداعي إلى حماية النساء والفتيات في مناطق النزاع، وإلى إشراك المرأة في صنع القرار بشأن المسائل الأمنية - الذي اعتمدته الحكومة العراقية في عام 2015.

يؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة بقوة أن زواج الأطفال أو تزويجهم دون موافقة حرّة وكاملة من كلا الزوجين يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان ويخالف الأحكام الأساسيّة للقانون الدولي، بما في ذلك الأحكام الواردة في:

  • الاعلان العالمي لحقوق الانسان
  • لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو)
  • اتفاقية الموافقة على الزواج، والحد الادنى لعمر الزواج، وتسجيل الزواج
  • اتفاقية حقوق الطفل

وفي حين تحدّد اتفاقية حقوق الطفل الحدّ الأدنى لسن الزواج عند 18 عاماً، تُلزم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة الدول بأن تكفل، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، الحقّ في حرّية اختيار الزوج والزواج إلا بموافقة حرّة وكاملة.

الخطوات المستمرّة للحد من الحقّوق

على مرّ السنين، اقترحت الأحزاب الدينية في العراق، في اكثر من مناسبة، تعديلاتٍ تستهدف قانون الأحوال الشخصية الحالي. وخلال السنة الأولى للاحتلال بقيادة الولايات المتحدة، ناقش مجلس الحكم القانون رقم 137 في ديسمبر/ كانون الأول 2003 - الذي اقترحه رئيسه آنذاك، عبد العزيز الحكيم، الذي كان أيضاً زعيم ما يسمّى " المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق"، وكان يطمح ان يحلّ القانون المُقترح محل قانون الأحوال الشخصية (رقم 188). وينصّ على نقل المسؤوليات عن جميع المسائل المتعلّقة بحقوق المرأة وشؤون الأسرة من المحكمة المدنية إلى الزعماء الدينيين الذين سيتخذون القرارات ذات الصلة وفقا لسوابق قضاياهم. هذا وبذلت محاولات عديدة أخرى مثل وضع قانون الأحوال الشخصية على أساس الفقه الجعفري فقط للسكان الشيعة، وفشلت حتى الآن في الحصول على الموافقة النهائيّة.

وحتى يومنا هذا، فإن زواج الأطفال غير قانوني تماماً في العراق. ومع ذلك، فقد وجدت دراسة أجرتها منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عام 2011 أن حوالي 1 من كل 4 فتيات عراقيات يتزوجن قبل سن 18 عاماً، وذلك غالباً نتيجة للفقر ولتقاليد اجتماعية ودينية راسخة. ومن شأن القانون المنقح أن يتيح إجراءات تسجيل المحكمة الرسمية وأن يرتفع عدد الأطفال والزواج المتعدّد. هذه الخطوة مثيرة للجدل بشكل خاص لأنها ستفرض الفقه الشيعي الجعفري على جميع العراقيين لقضايا الأحوال الشخصية، بما في ذلك الزواج والطلاق والتبني والميراث. إن المحاولات المستمرة من قبل المحافظين - الشيعة - الكتلة الشيعة - لفرض تشريع صارم يهدّد الدعائم الدستورية للمساواة بين الجنسين، وحقوق الطفل، والحرّيات الأخرى، قد يؤدّي إلى تفاقم التوترات الإثنية والطائفية والسياسية بين السكان العراقيين.

وقد اثارت التعديلات المقترحة مؤخراً معارضة واحتجاج واسع النطاق فى العراق. فقد ابدى عدد من اعضاء البرلمان انتقادات شديدة لها واصفين اياها بانّها "طائفية" و "غير دستورية". وقالت النائب انتصار الجبوري من اللجنة البرلمانية لشؤون المرأة والطفل: "هذا التعديل هو نكسة لحقوق المرأة ويعمل على تفكيك الأسرة وإقامة الطائفية حتى داخل الأسرة". وفي الوقت نفسه، أكدت النائب فرح السراج أن القانون "سيكرّس القوانين التي وضعها داعش، وينتهك القوانين الدولية لحقوق الإنسان". وينظم قانون الأحوال الشخصية على نطاق واسع لتعميق الانقسامات داخل المجتمع العراقي، مما يقوض مطالب الحكومة بدعم الحقّوق المتساوية للجميع. وهذا بدوره قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات بين أجزاء من السكان العراقيين، والتي يمكن استغلالها من قبل الجماعات المتطرفة مثل داعش.

وتجمع المتظاهرون في شوارع بغداد للتعبير عن معارضتهم. وحملوا لافتاتٍ وهتفوا بشعاراتٍ ضدّ ما اسموه بأنه "اغتيال للطفولة"، و "قتل الإناث" أو حتى "جريمة ضد الإنسانية بسبب المعاناة الجسدية والنفسية الشديدة التي غالبا ما يترتب عليها".

ويؤكد المعارضون بوجه خاص على أن القانون سيؤدّي الى تردّي حقوق المرأة المتساوية مع الرجل، على النحو المنصوص عليه في تشريعات عام 1959، على المبادئ الدستورية للمواطنة، وستحلّ محلّها أحكامٍ طائفية. ومن بين أشدّ المعارضين للتشريعات الجديدة تحالف من نشطاء الحقّوق المدنية العراقية والمنظمّات غير الحكوميّة، التي خرجت مؤخّرا إلى الشوارع احتجاجاً على محاولة الحدّ من الحرّيات المدنية. ويأتي التحرّك من أجل إضفاء الشرعية على زواج الأطفال على خطى مقترح المشرعين المحافظين لتنظيم حرّية الصحافة (للحدّ منها)، وكذلك لتقييد الحقّ في التجمع الحر، والحقّ في إقامة مظاهرات عامة - وهي حريات مكفولة بموجب المادة 38 من الدستور العراقي. وقد عبّر العديد من العراقيين عن معارضتهم للتعديلات ، حيث ينتشر الهاشتاج "لا لقانون الأحوال الجديد" كالنار في الهشيم على موقع تويتر.

 

موقف مركز جنيف الدولي للعدالة

في ضوء الانتهاكات الخطيرة التي تنجم عن التشريع المقترح على المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل والحرّيات الأساسيّة الأخرى، ونظراً للتهديد الكبير الذي تشكّله التعديلات على النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وللسلام في البلاد، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يدعو وعلى وجه الاستعجال الحكومة العراقية إلى الامتثال لدستورها الخاص وكذلك لالتزاماتها الدولية بحماية الحقّوق المتساوية للجميع.

ويثني مركز جنيف على الجهود الشجاعة والمتواصلة التي تبذلها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في العراق لكشف ومعارضة الطابع غير القانوني والخطير للمحاولات الرامية إلى إضفاء الشرعية على زواج الأطفال، ويدعو المجتمع الدولي إلى دعم هذه الجهود قولاً وعملاً.

ومن الأهمية بمكان أن نذكر بأن التوترات الطائفية والسياسية السائدة في المجتمع العراقي تتجذّر في سياسات الاحتلال القصيرة النظر والمثيرة للانقسام، وما يترتب على ذلك من فوضى وتدمير، واللغة الطائفية وسياسات وممارسات الحكومة العراقية. ويجب أن يتضمّن أي تحليلٍ موثوق للظروف المحيطة بالتغييرات التشريعية المقترحة الأثر الكارثي للحصار الإقتصادي والغزو والاحتلال.

والأهم من ذلك، أن إضفاء الشرعية على زواج الأطفال هو أبعد من أن يكون الانتهاك الوحيد لحقوق المرأة العراقية. إن الانتهاكات الجسيمة المُرتكبة ضد الشعب العراقي في ظل الحصار، والغزو والاحتلال، تؤثر بشكل غير متناسب على المرأة، وتؤدي عواقبها إلى تفاقم حالة حقوق الإنسان بشكل كبير. ويواصل مركز جنيف الدولي للعدالة عرض حالة المرأة العراقية على الأمم المتحدة، ولا سيّما لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، في شكل تقارير مكتوبة وبيانات شفوية. ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة أنه من الأهميّة بمكان الاستمرار بإبراز الأثر الكارثي للجزاءات والغزو/ الاحتلال غير القانونيين لعام 2003 على حقوق المرأة العراقية - وهي جوانب لا تزال مهمّشة في التقارير الرسمية. وتشمل بعض القضايا الرئيسية التي أبرزها مركز جنيف الدولي للعدالة تدهور الحالة الاقتصادية والصحية للمرأة، ومحدودية فرص الحصول على التعليم، والعقبات التي تعترض المشاركة السياسية، والظروف الصعبة لأرامل الحرب، والاستغلال الجنسي، والاحتجاز، والتشريد، وعواقب العيوب الخلقية.

ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة أن معالجة الصراع الطائفي وتدهور الحقّوق والحرّيات الأساسية للعراقيين، ولا سيما حقوق المرأة، تستلزم استعادة العدالة والمساءلة وفقاً للقانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيّما بالنظر إلى المعاناة والدمار اللذان لحقا بالشعب العراقي من خلال العقوبات الوحشية والغزو والاحتلال. ومن ثم يظل من الأهمية بمكان ألا يتوقف المجتمع المدني عن رفع أصواته بنشاط ويصرّ على أن يعالج المجتمع الدولي المسائل ذات الصلة على نحو سليم. ويحث مركز جنيف، اليوم أكثر من أي وقت مضى، المجتمع الدولي على تقديم جميع مرتكبي الجرائم إلى العدالة - حتى أولئك الذين برزوا دون أن يتعرّضوا للخطر منذ أن وقع العراق ضحيّة للحظر والغزو غير المشروعين. ويدعو المجتمع الدولي إلى ضمان أن تفي الحكومة العراقية بالتزاماتها الدولية وتتحمل مسؤوليتها عن توفير الحماية لجميع السكان بغض النظر عن جنسهم وانتمائهم العرقي والديني والرأي السياسي.

 

Click here for the English version.


 

"معركة التحرير" تدخل مرحلة حاسمة

مركز جنيف الدولي للعدالة يدعو الأمم المتحدّة التدّخل لحماية الطفولة في العراق

الموصل فيديو مروع يعرض الشرطة العراقية وهي تذبح مواطنين وهم احياء

مركز جنيف الدولي للعدالة ضمّ ميليشيا الحشد الشعبي في العراق الى قائمة "العار" يجب ان يُستتبع باجراءاتٍ للمحاسبة والردع من محكمة دوليّة

انشاء محكمة جنائيّة دوليّة خاصّة بالعراق اصبح امراً حاسماً

مركز جنيف الدولي للعدالة يوجّه نداءً عاجلاً الى المفوض السامي لحقوق الإنسان

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة