"معركة التحرير" تدخل مرحلة حاسمة
التخوف من تفاقم الازمة الإنسانية والحقوقية في غرب الموصل
اشتدت المعارك في الشطر الغربي للموصل، ودخلت القوات العراقية المدعومة بقوات التحالف الدولي نهار اليوم الجمعة 24 فبراير 2017، إلى أول أحياء غرب المدينة منذ انطلاق العمليات العسكرية قبل أربعة أشهر لاستعادتها من تنظيم داعش، ومع تصاعد العنف وتكثيف القصف وشراسة المعارك البرية بين الطرفين، يزداد التخوف من مصير قرابة مليون مدني محاصر في غرب الموصل يعانون أوضاعا إنسانية مأسوية فهم من جهة معرضون لخطر الموت بالقصف العشوائي ومن جهة أخرى مهددون بشبح المجاعة والبؤس.
وكان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، قد أعلن في الـ 19 فبراير 2017، عن انطلاق المرحلة الثانية من "عملية تحرير الموصل" من سيطرة تنظيم الدولة، وتشمل المرحلة الحالية تحرير الشطر الغربي بعد ان تمكنت القوات العراقية من استعادة الشطر الشرقي خلال ثلاثة أشهر من المعارك الشرسة والتي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وتعد المرحلة الثانية الأكثر تعقيدا منذ بداية العملية العسكرية، حيث يوجد ما يقارب 800 ألف مدني محاصر بالمدينة القديمة من بينهم 350 ألف طفل معرضون للخطر في ظل اشتداد القصف واحتدام المعارك البرية بين عناصر داعش والقوات العراقية المدعومة بالتحالف الدولي، وتبقى هذه الاحصائيات غير دقيقة ويرجح أن يكون العدد اكبر بكثير من العدد المعلن عنه خاصة وان الموصل تعد ثاني اكبر المدن العراقية بعد بغداد من حيث الكثافة السكانية. ورغم صعوبة المهمة بالنظر للطبيعة الجغرافية للجهة الغربية الى ان الحكومة العراقية مصرة على استرجاعها في اقرب الآجال ودون وضع استراتيجية دقيقة لحماية المدنيين المحاصرين، وهو ما سيعرض حياتهم للخطر خاصة وان أزقة احياء الجهة الغربية ضيقة جدا ما سيجعل من التدخل البري محفوفا بالمخاطر، وبالتالي ستضطر القوات العراقية لتكثيف القصف الجوي ومباغثة عناصر التنظيم بريا من اجل تدمير أهدافها في المنطقة.
وعلى ضوء هذه المستجدات يطالب المركز الحكومة العراقية وقوات التحالف بضرورة حماية أرواح المدنيين المحاصرين في الجهة الغربية وضرورة توفير ممرات امنة لاجلائهم بالتزامن مع احتدام المعارك لتجنب حدوث كارثة إنسانية لا يحمد عقباها. كما يطالب المركز بضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين والذين يعانون في صمت من ازمة غذاء طال امدها بعد ان انقطعت عنهم كل المصادر وارتفعت أسعار المواد الغذائية الى مستويات قياسية. ويزيد الوضع سوءا مع مرور الوقت حيث ذكر شهود من المنطقة الى ان السكان المحاصرون ومنذ شهور يتناولون وجبة واحدة طيلة اليوم وانهم يستعينون بحرق أثاث منازلهم للتدفئة مع اشتداد برودة الطقس. ويقوم السكان بتجميع مياه الامطار من أجل استغلالها للشرب والطهي والاغتسال في ظل انعدام الموارد المائية بالمدينة وقطع الامدادات عنها، وعندما تتوقف الامطار عن الهطول فان المواطنون مجبرون على اقتناء حاجتهم من المياه من النهر رغم ان مياهه غير صحية وغير معقمة وقد تسبب ذلك في إصابتهم بتسممات وبأمراض خطيرة كأمراض الكلى.
ويطالب المركز جميع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، ولا سيما المفوض السامي لحقوق الإنسان، بمتابعة دقيقة لتطورات الوضع في الموصل وبالضغط على الحكومة العراقية من أجل تقديم ضمانات فعلية بالسعي على الحفاظ على أرواح المدنيين العزل وحمايتهم وايصال المساعدات اليهم في اقرب الاجال. بالإضافة الى الاهتمام بالنازحين المقدر عددهم بـ 190 ألف نازح يتواجد أغلبهم في ثلاثة تجمعات رئيسية لمخيمات اللجوء، أولها مخيمات الخازر الواقعة على بعد 3 كلم شرقي الموصل، ويعيش هؤلاء النازحون ظروف إنسانية صعبة جدا لتزامن نزوحهم مع فصل الشتاء بقساوته، وشح المساعدات الإنسانية وقلة المياه وانعدام الشروط الصحية والرعاية الطبية حتى بالنسبة للجرحى والأطفال.
وتلقى مركز جنيف الدولي للعدالة مراسلات خاصة من نشطاء حقوقيون يعملون لصالح المنظمة، وتصف هذه المراسلات الوضع في المخيمات بالكارثي والمنبئ بتفشي أمراض معدية واوبئة خاصة في أوساط الأطفال بسبب سوء التغذية وانعدام أدني الشروط الصحية خاصة بعد أن تحولت الاراضي التي بنيت عليها المخيمات الهشة الى أوحال مع هطول كميات كبيرة من الامطار، وتوضح الصور الفوتوغرافية التي تحصل عليها المركز كيف ان الأطفال بمخيم الخازر شمال العراق يسيرون حفاة وعراة في تلك الاوحال، وقال نازحون ان خيامهم تحولت الى مستنقع للبركِ الطينية، واضطرت اربع عائلات الى المبيت في خيمة واحدة بعد ان غرقت خيمهم في الوحل، في حين اضطر اخرون الى المبيت في خيامهم المبللة بالمياه لأن لا خيار اخر امامهم. ويؤكد نازحون اَن معاناتهم تضاعفت بسبب نقص الوقود ووسائل التدفئة. ويؤكد النازحون أن الخيام التي جرى نصبها على عجل في مخيم الخازر غير مهيئة لمقاومةِ ظروفٍ جوية قاسية، لا سيما الأرضية غير المانسبة التي نصبت عليها حيث لم يأخذ الجهة التي نصبتها بعين الاعتبار هطول الأمطار، وإمكانية تعريض ساكنيها للخطر.
من جهة أخرى يتخوف مركز جنيف الدولي للعدالة من احتمال حدوث انتهاكات جديدة ضد المدنيين المتواجدين في الشطر الغربي من المدينة، من قبل عناصر ميليشيات الحشد الشعبي المشاركة في المعارك الى جنب القوات العراقية، من خلال استمرارها في عملياتها الانتقامية الطائفية ضد سكان الموصل بعد اتهامهم بالتعاون مع داعش.
فقد تعمدت الحكومة العراقية ووسائل الاعلام المحلية والدولية الموالية للسلطة التركيز على التنويه بانتصارات القوات العراقية ميدانيا والتقدم الذي أحرزته منذ بدء المعركة والمناطق التي تم استعادة السيطرة عليها، في المقابل يتم التستر على الانتهاكات المروعة ضد المدنيين التي يقوم بها كل من عناصر قوات الامن العراقي وميليشيات الحشد الشعبي التي يعلم الكل انها مسيرة من قبل مستشارين امنيين إيرانيين وتعمل على تحقيق أهداف ومخططات فارسية في العراق.
وقد نجح مواطنون ونشطاء عراقيون في توثيق العديد من التجاوزات والانتهاكات الصارخة التي تقوم بها هذه الجهات في حق مدنيين أبرياء سواء عن طريق الفيديو او التصوير الفوتوغرافي، تفضح أبشع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي التي مارتسها الميليشيات على عشرات المدنيين قبل اعدامهم فقط للاشتباه في تعاونهم مع داعش، الى جانب ترويع سكان الشطر الشرقي من المدينة وسرقة ونهب ممتلكاتهم الخاصة الى جانب حرق وتهديم العديد من المنشئات الحكومية كالمدارس، الجامعات والمكتبات والمستشفيات وذلك بحجة استغلالها من قبل تنظيم داعش طيلة فترة سيطرته على الموصل وهي الانتهاكات التي ادانتها الأمم المتحدة وامرت بالتحقيق فيها.
وفي هذا الصدد يجدد مركز جنيف الدولي للعدالة تمسكه بمطلبه الأساسي المتمثل في تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة تسند لها مهمة التحقيق بكافة الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها مختلف فصائل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وتقديمهم للعدالة. ويجدد المركز تاكيده على استحالة الاعتماد على هذه المجموعات لدعم القوات العراقية. بل يجب رفع الحصانة عنها ومسائلة ومحاكمة المنخرطين في صفوفها من المتورطين في جرائم الخطف، التعذيب والقتل العشوائي وغيرها من الانتهاكات.