في 27 و 28 أيلول/ سبتمبر 2017، وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة نداءاتٍ عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان، على التوالي، للإعراب عن شواغله وردود افعاله أزاء اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2379 في 21 سبتمبر 2017، بشأن مساءلة داعش عن الجرائم المُرتكبة في أراضي العراق. وقد نقل المركز موقفه فيما يتعلق بالأحكام الأساسيّة للقرار، ولا سيّما حصر التحقيق في الفظائع المُرتكبة في العراق من قبل داعش فقط، والنصّ على ادراج السلطات العراقية والسلطة القضائية في فريق التحقيق.
محتوى قرار مجلس الأمن رقم 2379
ويشير مضمون القرار إلى أن الدولة الإسلامية تشكل تهديدا عالميا للسلم والأمن الدوليين، نظرا لأن هجماتها الواسعة النطاق على المدنيين وانتهاكاتها المستمرة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان لا تزال جارية. ويعترف القرار أيضا بأن الأفعال التي يرتكبها داعش تتعلق إما بجرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية أو إبادة جماعية، كما نصّ على قائمةٍ واضحةٍ بالأفعال ذات الصلة. وبذلك فأن القرار يطلب من المجتمع الدولي أن يتقدّم إلى الأمام وأن يكفل مساءلة أفراد هذه الجماعات الإرهابية عن أفعالهم.
وعلاوةً على ذلك، يطلب القرار إلى الأمين العام إنشاء فريق تحقيق مستقل يرأسه مستشار خاص، بهدف دعم الجهود الوطنية الرامية إلى مساءلة داعش. ووفقا للقرار، سيعمل هذا الفريق على جمع كل الأدلة القائمة على الأفعال التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في العراق، والتي يُمكن بعد ذلك استخدامها أمام محكمة قانونية. وستتعاون المحاكم الوطنية والسلطات العراقية مع المكلّفين القادمين من بلدان ثالثة لجمع الأدلة الموجودة وحفظها وتخزينها؛ ويمكن استخدام هذه الأدلة في أيّ دعوى قضائية ضدّ مقاتلي داعش حول العالم. وسيعمل الفريق بمساعدة القُضاة العراقيين وغيرهم من الخبراء الجنائيين لضمان الاحترام الكامل لسيادة العراق وولايته القضائية على جميع الجرائم المرتكبة في اقليمه.
كما يطالب القرار بإنشاء صندوق لتلقي التبرعات لتمكينه من تنفيذ القرار بشكل أفضل على الصعيد الوطني. وان الدول، فضلاً عن المنظمات الإقليمية والحكومية الدولية مدعوة إلى المساهمة بأي أموال أو معدّات أو خدمات قد تكون ضرورية للفريق.
موقف مركز جنيف الدولي للعدالة بشأن القرار
في الوقت الذي يؤيد فيه مركز جنيف الدولي للعدالة ما جاء في هذا القرار من أن داعش يشكّل تهديداً عالمياً للسلم والأمن الدوليين، وأنه يعترف بأن الأفعّال التي يرتكبها داعش ترقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانيّة أو إبادة جماعية. ونؤيد أيضاً دعوة المجتمع الدولي إلى ضمان مساءلة أعضاء هذه الجماعات الإرهابية عن جرائمهم. ومع ذلك، وفي حين نؤكد أن القرار رقم 2379 يمثل خطوة هامة نحو مساءلة داعش عن جرائمه وتحقيق العدالة في نهاية المطاف من خلال منح الضحايا إمكانية الاستماع إليهم في المحاكم، نودّ أن نؤكد أن داعش ليست المجموعة الوحيدة التي يجب التحقيق في أنشطتها الإرهابيّة.
فقد ارتكبت مجموعات أخرى عديدة ولا تزال ترتكب جرائم مروّعة ضد السكّان المدنيين في العراق، ولا سيّما ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من الحكومة وقوات الأمن العراقيّة. وهذه الجهات الفاعلة - التي يُزعم أنها "تقاتل الإرهاب" ومحاربة تنظيم داعش - قد ارتكبت بعض أكثر انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي فظاعةً في هذا القرن.
في الواقع، استخدمت الحكومة العراقية صعود تنظيم داعش لتفويض إرهاب الدولة الكاسح وعمليات الإعدام والقمع، التي تشكل انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. إن تفكك القطاع الأمني العراقي برمته خلال غزو العراق واحتلاله في عام 2003 ترك البلد ينزف مع الفوضى والعنف الطائفي. إن الميليشيات الموالية للحكومة التي يدعمها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا سيما ميليشيا الحشد الشعبي، والقوات العراقية ترتكب جرائم مروعة في حربها الوحشية المتهورة والبربرية التي تشمل القصف العشوائي في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين، والاستخدام المُفرط للقوة، والتدمير الشامل، والنهب، والاخفاء القسري، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتقالات والاحتجاز التعسفي، وارتفاع معدلات الإعدام خارج القضاء.
وتؤدي الفظائع المرتكبة إلى تفاقم معاناة السكّان المدنيين، الذين يعيشون حياتهم في خضم العنف الذي لا يمكن تصوره، وفي خوفٍ دائم من فقدان أحبائهم أو محاكمتهم وقتلهم بسبب فعلٍ لم يرتكبوه قط، أو بسبب التحدّث ضد جرائم دولتهم. وتشكل جماعات "مكافحة الإرهاب" المعنية تهديداً كبيراً للسلم والأمن الدوليين، بقدر ما تفعل داعش.
وعلاوةً على ذلك، يطلب القرار إلى الأمين العام إنشاء فريق تحقيق مستقل يرأسه مستشار خاص، بهدف دعم الجهود الوطنية الرامية إلى مساءلة داعش. ووفقاً للقرار، سيتعاون الفريق مع النظام القضائي العراقي والقضاة العراقيين لجمع وحفظ وتخزين الأدلة لاستخدامها في الإجراءات القضائية ضد مسلّحي داعش.
وفي ضوء ذلك، أكدّ مركز جنيف مجدّداً على ما جاء في بيان المفوض السامي يوم الأربعاء 27 أيلول/ سبتمبر2017، بأن نظام العدالة العراقي معيبٌ تماماً ويفتقر إلى التقيّد بالمعايير القانونية الواجبة ومعايير المحاكمة العادلة. وكما اشار المفوّض السامي، فإن النظام القضائي العراقي هو نظام غير عادل، ووفقاً لما تمّ الكشف عنه مرّة أخرى عن الإعدام الجماعي لـ 42 سجيناً في 24 أيلول / سبتمبر في سجن الحوت بمدينة الناصرّية بجنوب العراق، مما يشكّل انتهاكاً خطيراً لالتزامات العراق في حقوق الإنسان. ولا تزال حالة المدنيين العراقيين كارثيّة وتزداد تفاقماً من جرّاء حملات "مكافحة الإرهاب" المتهورة والقاسيّة التي تقوم بها الحكومات العراقية وحلفاؤها.
والواقع أن هناك أدلّة متزايدة تدلّ على الفساد وغياب الشفّافيّة والتعسّف الذي يُعاني منه نظام العدالة الجنائية في العراق. وتؤكدّ التقارير بأن الحكومة قد وسعّت سيطرتها على النظام القضائي من خلال التخويف والتهديدات والرشاوى - مما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى منح المسؤولين الحكوميين أو غيرهم من الجهات المدعومة من الحكومة الإفلات التام من العقاب. وهذه الحالة المنُهكة لنظام العدالة قد تأصّلت منذ غزو العراق واحتلاله في عام 2003.
التأمّل في خلفية القرار والمشاكل حول "مكافحة الإرهاب"
بينما كان العراق محطّماً بسبب نظام العقوبات الوحشيّة الذي فرضته الولايات المتحدّة وبريطانيا، جاء الغزو العسكري الأمريكي عام 2003 تحت ستار "البحث عن أسلحة الدمار الشامل و محاربة الارهاب". إن احتلال وغزو البلد، الذي كان متطوراً ومزدهراً سابقاً لم يجلب شيئاً سوى الدمار والموت واليأس للسكّان المدنيين العراقيين. فقد قُتل الملايين منهم منذ ذلك الحين، ولا يزال عددٌ هائل من العراقيين لاجئين أو مشردّين داخليا. وبدلاً من أن تبدأ المحاكم الأمريكية إجراءات قانونية ضدّ مرتكبي الهجمات الإرهابية في 11 أيلول / سبتمبر، لتقديم مرتكبي تلك الأحداث إلى العدالة، فإن الاستراتيجية التي فرضتها إدارة بوش تعاقب السكان المدنيين الأبرياء تحت دعاوى تزوير وتهيئة الظروف للنزاعات الطائفية والجماعات الإرهابية مثل داعش.
وفي أعقاب هذه الأحداث، كانت هناك طلبات لضمان اعتبار الإرهاب جريمة عالمية يُعاقب عليها القانون الدولي. وقبل بضع سنوات اقترحت رومانيا وإسبانيا إنشاء محكمة دولية لمكافحة الإرهاب، وهي هيئة قانونية عالمية يمكنها أن تكافح الإرهاب وتوقفه على نحو فعّال. ورومانيا هي في الواقع من أوائل البلدان التي أدخلت جريمة الإرهاب في قانونها الجنائي. والفكرة الكامنة وراء هذه المحكمة تتمثل في مقاضاة أعمال الإرهاب، وتقديم المساعدة إلى البلدان ذات النظم القانونية الضعيفة. وعلاوة على ذلك، فإن وجود مثل هذه المحكمة قد يكون رادعا للجماعات الإرهابية.
ومع ذلك، لم تنشأ هذه المحكمة أبداً، لأسباب مختلفة. وخلال السنوات المتتالية كانت هناك عدّة محاولات فاشلة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الخلافات بين البلدان، وخاصّة حول كيفية تعريف الإرهاب ونوع الأعمال التي ينبغي أن تكون خاضعة لولاية المحكمة. كما أن عدم وجود تعريف مقبول عالمياً لما هو الإرهاب قد أدّى أيضاً إلى عدم وضع الإرهاب تحت اختصاص المحكمة الجنائيّة الدولية قبل بضع سنوات.
لقد أصبحت الهجمات الإرهابية مشكلة يومية مشتركة. وبالتالي اصبحت هناك حاجة ماسة إلى هيئة قانونية دولية يمكن أن تُحمّل مرتكبي تلك الهجمات المسؤولية. ولذلك، فإن من الأهميّة اتخاذ قرارٍ ملزم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنشاء محكمة دولية لمكافحة الإرهاب، على غرار القرارين اللذين أنشئا المحكمتين المخصّصتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا. وينبغي لأي وثيقة ملزمة للأمم المتحدة، أو أي معاهدة دولية، أن تدرج تعريفاً للإرهاب واسع بما فيه الكفاية لإفساح مجال للتفسير لتلك المحكمة. ولا ينبغي للمحكمة أن تكون مستقلّة عن أي مؤثرات خارجية فحسب، بل ينبغي أن تكون قادرة أيضاً على البتّ في قضايا الإرهاب على أساس كلّ حالةٍ على حدة، وأن تقرّر بصورة نزيهة ما إذا كان الفعل يقع في إطار جريمة الإرهاب العامة. وبهذه الطريقة، لن تتمكن هذه المحكمة من محاكمة مسلّحي داعش فحسب، بل أيضاً محاكمة الإرهابيين عموماً، من خلال التعاون مع المحاكم الوطنية في بلدان ثالثة ومع المحكمة الجنائية الدولية.
نداءات مركز جنيف الدولي للعدالة إلى الأمين العام والمفوض السامي والمجتمع الدولي
دعا مركز جنيف الدولي للعدالة كلّ من الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوّض السامي لحقوق الإنسان إلى العمل على تكليف فريق التحقيق بتغطية جميع الجرائم التي ارتكبتها داعش وجميع العناصر الفاعلة الأخرى في العراق، ولا سيّما الميليشيات. وينبغي للمحكمة التي ستُنشأ أن تضطلع بدور قاضٍ مستقل ونزيه في الجرائم التي ترتكبها الجماعات الإرهابية، وأن تكون لها ولاية لملاحقة أيّة أعمال إرهابية. وفي النداء العاجل الموجّه إلى المفوض السامي، دعا المركز السيد زيد رعد الحسين إلى بذل مساعيه الحميدة مع الأمين العام لتشجيع الجهود الرامية إلى جعل ولاية فريق التحقيق شاملا.
وقد اعتبر مركز جنيف الدولي للعدالة أنه وعلى العكس مما ورد في القرار رقم 2379، سيكون من المستحيل على هذه "المحكمة المستقلّة" أن تعمل بالتعاون مع المحاكم الوطنية (في العراق) وأن تُكمل التحقيقات التي تجريها السلطات العراقية. فبينما دعا المفوض السامي الحكومة العراقية إلى إنشاء هيئة خاصة للرقابة القضائية لتقديم توصيات بشأن الإصلاحات القانونية التي تساعد على الالتزام بالمعايير القانونية الواجبة ومعايير المحاكمة العادلة، أشار مركز جنيف الدولي إلى أنه من المُستبعد جداً أن تكون هذه الهيئة قادرة على تعزيز أو تغيّير النظام القضائي العراقي في الوقت المناسب، بسبب الفساد القائم في النظام بأكمله.
ولذلك، دعا المركز إلى المفوض السامي لدعم شمول ولاية فريق التحقيق الذي يتألف من قضاة مستقلين، بما يُمكن أن يضمن محاكماتٍ عادلة ووضع حدّ للإفلات من العقاب. وشدد المركز على أن الأولوية الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي يجب أن تتمثل في اتخاذ التدابير اللازمة في أقرب وقت ممكن لضمان حماية المدنيين.
وسبق ان ناشد مركز جنيف الدولي للعدالة مراراً وتكراراً الأمم المتحدة، وطالب بمكافحة الإفلات من العقاب وأن تكفل إنهاء الجرائم التي ترتكبها جميع الأطراف الفاعلة في الصراع، بما في ذلك الميليشيات. ولذلك، وحيث أن المنظمة قد طلبت أكثر من مرة إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، فيبدو أن المحكمة الدولية لمكافحة الإرهاب هي الحل الأفضل. ولهذا السبب، يحثّ مركز جنيف الدولي للعدالة الأمم المتحدة على أن تأخذ في الاعتبار جميع الأدلة التي عُرضت عليها على مرّ السنين، وأن تعمل على إنشاء هيئة قانونية دولية تكفل المساءلة عن الأعمال التي يرتكبها داعش وجميع الجماعات الإرهابية الأخرى في العراق.
للمزيد عن متابعة مركز جنيف الدولي للعدالة للاوضاع في العراق:
https://www.gicj.org/ar/2017-01-13-21-33-26