الموصل: تدمير ومساءلة
خبر صحفي
بتاريخ 11 تموز / يوليو 2017، اصدر مفوّض الأمم المتحدة السَّامي لحقوقِ الإنسان "زيد بن رعد الحُسيّن"، ببيانٍ عن الوضعِ الرّاهِن في العراق، ولا سيّما حالة الموصل المأساوية والمساءلة القانونية المطلوبة في العراق. وفي هذا الصّدد، سلّط السَّيد زيد الضّوءَ على مأساةِ المدنيين قائلاً: "لقد عاشت النساء والأطفال والرجال في الموصل ما يشبه الجحيم على الأرض وتحملوا ما لا يمكن وصفه. وأضاف قائلاً: "ترَكتْ انتهاكات تنظيم داعش الخطيرة والممنهجة للقانون الإنسانيّ الدوليّ ولحقوق الإنسان، بما في ذلك الاسترقاق الجنسيّ، جراحًا عميقة في المجتمع العراقيّ خلال السنوات الثلاث الأخيرة".
وفي رسالة وجّهها، بتاريخ 13 تموز/ يوليو 2017، الى السيد المفوّض السامي، اكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة تأييده لما جاء في البيانِ المذكور أعلاه، مضيفاً أنّ التحالف الدولي بقيادة الولاياتِ المتحدة الأمريكيّة، والقواتِ العراقيّة قد ارتكبَا انتهاكاتٍ جسيمة وممنهجة، بما في ذلك الجّرائم البشِعة التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشّعبي. ولتحسين تدابير المساءلة القانونية، طلبَ مركز جنيف الدوليّ للعدالة من المفوضيةِ الساميّة لحقوقِ الإنسان إنشاء لجنة دوليّة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي أُرتُكبت في العراق وانشاء محكمة دولية، لمحاكمة مرتكبيها وتحقيق العدالة للشعبِ العراقيّ.
تدمير الحضارة:
أوضح مركز جنيف الدولي في رسالته إلى أنّ القتال المتهور أدّى إلى تدميرٍ كامل لمدينةِ الموصل، ذات الأهميّة التاريخية العريقة للحضارة البشرية. وقد أدّت أعمال التدميرِ، وعدم اكتراث قوات التحالف والقوات العسكريّة العراقيّة، إلى إلحاقِ اضرارٍ كبيرة بالمواقعِ التّاريخيّة والثّقافية لا يمكن إصلاحها. فإضافة إلى ما قامت به داعش من تدميرِ، هنالك المئات من المواقعِ الأثرية التي دُمِرت من قبلِ التَّحالف الدولي والقوات العراقيّة. ومن المهمِ ملاحظة أنّ هذا التّدمير المُستهدف يشكل جريمةَ حربٍ وينبغي أن يحاسبَ مرتكبوها من قبل محكمة الجنايات الدوليّة.
لقد تم تدمير البنيّة التّحتية للمدينة كالطرقِ والجسورِ وشبكات المياه والاتصالات وشبكات الصّرف الصّحي، والأهمُ من ذلكِ، تدمير النُّظمَ الصّحيّة والتّعليميّة في المحافظة وهو ما يؤثر تأثيراً سلبيّاً ومباشراً على المواطنين. وعلاوةً على ذلك، ففي خلال الحملة العسكرّية لإستعادة الموصل عانت أكثر من 60 مدينةٍ وقريةٍ أخرى في المحافظةِ من الفوضى والخَراب. إن محو تاريخَ البشريّةِ وحضارتها يجب أن يؤخذ على محملِ الجّد، ولهذا يدعو مركز جنيف المفوضيّة الساميّة لحقوقِ الإنسان إلى اتخاذ التّدابير اللازمة والفوريّة لتجنب المزيد من الكوارث.
"تدمير الموصل الحاصل بسبب قصف قوات التحالف والقوات العراقية"
يبين الفيديو حجم الدمار الحاصل في بعض احياء المدينة |
صور تبين جانبا من الدمار الهائل في المدينة |
فقدان المدنيين:
يشعر مركز جنيف الدولي للعدالة بقلقٍ كبير إزاءَ حياة المدنيين ومعاناتهم في الموصل. وعلى الأرضِ تُواصِل جهاتٌ ومصادرٌ مختلفة تزويد المركز بمعلوماتٍ موثوقة، توضّح الحالة المدمّرة التي واجَهها المدنيون في الموصل طوال السّنوات الثّلاث الماضية وحتى اليوم، حيث قُتِل الآلاف بشكلٍ عشوائيّ دون تمييز وآلاف أخرى لا يزالون عرضةً للخطر.
إضافةً إلى ذلك، فإنّ النّاجين والضَّحايا يفتقرون إلى المتطلباتِ الأساسية ضمن إمكانيات ملاجئ محدودة، في حين ان الحكومة العراقية مُلزمة بتوفيرها. فالظروفِ المعيشيّة والصّحية في الملاجئِ المُتاحة سيئةٌ للغاية، وقد فشلت السلطات العراقية في تقديم المتطلّبات الأساسيّة والكافيّة للمدنييّن المتضرّرين من معركة استعادة الموصل. ويوجد أكثرُ من 3 ملايين مواطن، بما في ذلكَ أولئكَ الموجودين في المناطقِ المحيطة بنينوى، قد شُرِدوا وهم الآن في أوضاعٍ بالغة الصعوبة. ومن هنا، دعا مركز جنيف الدولي السيد المفوض السامي لحقوقِ الإنسان إلى
الاطلاع على حالة المشردّين داخلياً في الموصل، وضرورة العمل لتعبئةِ وحشدِ هيئاتِ الأمم المتحدّة المختصّة لتقديمِ المساعدة الكافية والضرورية إلى 3 ملايين مشرّد داخلياً من الموصل والمناطق المحيطة بها.
"المدنيون يُجبرون على خلع ملابسهم عند الهروب، فكلّهم في نظر المهاجمين ارهابيون"
Video shows civilians forced to escape their homes without their belongings due to fighting in residential areas. |
وفي الرسالة الموجهة إلى مفوضية حقوق الإنسان، أكدَّ مركز جنيف الدولي للعدالة أنّه خلال حرب "التحرير"، وبعكس ما اعلنته، فقد أظهرت الحكومة العراقية فشلها الواضح في التقيّد بمعايير القانون الدولي الإنساني وفي اتخاذ تدابير لحماية المدنيين وتوفير سبل السلامة لهم أثناء العمليات العسكرية.
وعلاوةً على ذلك، طلبت الحكومة العراقيّة "عن طريق رئيس الوزراء" من سكان الموصل عدم مغادرة المدينة ، لكنّ في الوقتِ نفسه، خرجت الشرطة الاتحاديّة العراقيّة في حالاتٍ كثيرة، واصفةً السكّان الذين يقيمون في الموصل بأنصارِ داعش. وبقدر فشل السلطات في توفير ممراتٍ آمنة للمدنيين خارج المدينة، بل بعد خروج المدنيين تقوم بالقبض عليهم، بذريعة خشيتها من هجمات داعش، كذلك التفجيرات وعمليات القتل العشوائي والقصف التي تُدّمر طرق الخروج من الموصل. فإن حاول المدنيين الفرار من المدينة بأنفسهم، يتعرّضون لهجومٍ من قبل داعش، أو القوّات العراقية المعنيّة "بحماية " المدنيين.
إن مثل هذه الأعمال، إلى جانب القصف العشوائي للموصل، بما في ذلك القصف اليومي الشديد باستخدام جميع أنواع الصواريخ والمدفعية، يدلّ بوضوح على أنّ الحكومة العراقيّة غير قادرةٍ على حماية المدنيين بقدر قدرتها على مزيدٍ من الدمار. كما أن أنواع الأسلحة المُستخدمة في هذه العمليات غير متناسبة بشكلٍ واضح من حيث الاستخدام والمنهجيّة والحجم؛ على سبيل المثال، قيام القوّات الجوّية للتحالف بأكثر من 20 ألف غارة جوّية على الموصل. ولذلك، ينبغي اتخاذ تدابير وخطوات فورّية أخرى تتماشى مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
عمليات القتل والانتهاكات العشوائية:
يُشكّل المدنيون معظم الضحايا في عمليّات الموصل، ومع تفاقم الوضع وزيادة عمليات القتل، تُعتبر الوحدات العراقية ذلك مؤشراً على أن أولئك الذين ما زالوا في الموصل إمّا من أعضاء "داعش" أو هم في بعض الأحيان مرتبطين بها.
وتبيّن معلوماتٍ موثوقة أن الميليشيات تُشارك في الإنتهاكات بينما ترتدي زيّ الشرطة العراقيّة كما تم توثيقها مرّات عديدة في مقالاتٍ ورسائل ونداءات صدرت عن مركز جنيف الدولي للعدالة . إنّ مئات اللقطات ومقاطع الفيديو التي تمّ جمعها، تُظهر تعرّض الكثير من الهاربين من الموصل للتعذيب الوحشي، علاوةً على الاتهامات غير العادلة ضدّهم، وحتى قتل الجرحى والمصابين. وقد قدّم مركز جنيف أدلّةً في رسائل سابقة موجّهة إلى المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان توضّح بعض الجرائم والفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية، وكلّ هذه الانتهاكات تُنفذ تحت ستار وذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية .
كما جمع مركز جنيف الدولي للعدالة أمثلة على التصرّفات المتطرّفة والوحشية التي قامت بها وحدات الشرطة والميليشيّات، كالأسرى الذين هُشِمت أطرافهم بمطارق حديديّة وحجرية، ومدنيين معصوبي العينين، مربوطين، ومشنوقين وقد تعرّضوا للتعذيب. وفيما ندين جميع أشكال التعذيب، فإن بعض اللقطات التي تم جمعها تكشف عن حجم القسوة وبشاعة هذه الأعمال.
مثال من مئات الامثلة على عمليّات التعذيب الوحشي وقد طالت المدنيين على ايدي قوات الشرطة الاتحادية، الجيش وميليشيّات الحشد الشعبي الإرهابيّة
Video shows Iraqi forces (sometimes dressed as Iraqi police) administer cruel, inhumane, and unusual torture on captives. |
وفي تصريحٍ نشر في 11 تموز/ يوليو 2017، قال عضو مجلس النوّاب العراقي، ورئيس لجنة الأمن والدفاع فيه "حاكم الزملي"، إنّ القوات العراقية قتلت نحو 28.000 من عناصر "داعش" خلال العمليّات العسكرّية التي جرت في العراق. واذا اخذنا في الاعتبار أن معظم التقديرات تشير ان عدد أعضاء "داعش" في العراق لا يزيد عن 7000 عضواً، فهو ما يؤكدّ دون أدنى شكّ وجود العديد من المدنيين بين القتلى. كما قال: "إن من بين القتلى 225 من قادة الدعم اللوجستي و 400 من القادة الميدانيين و 130 من منظمي الخطّ الأول في العراق"، وأضاف "لدينا أكثر من 4000 معتقل من حوالي 86 جنسية، ونسبة كبيرة منهم من شرق آسيا وتونس واليمن ومصر والجزائر وغيرها من الجنسيات العربية والأوروبية، وقد تلقينا معلومات أمنية خطيرة تهدّد دول المنطقة والعالم".
وانطلاقاً من أهمية الموضوع فيتوجب قيام الأمم المتحدة بدور فعّال أثناء استجواب هؤلاء المُحتَجَزين؛ فالأمر ليس مهماً للعراق فحسب، بل لجميع دول العالم، وكذلك لجهود الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب. وفي هذا الصدد، يدعو مركز جنيف الدولي للعدالة الأمم المتحدّة إلى تعيين خبراء ذوو معرفة وخلفية واسعة للمشاركة في هذه التحقيقات.
المساءلة والعدالة: |
||
وفي عدّة رسائل، دعا مركز جنيف الدولي للعدالة الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقاتٍ مستقلّة بشأن الانتهاكات الجسيمة المُرتكبة خلال الحملات العسكرية التي جرت في سياق "الحرب على الإرهاب" في العراق. وفي تصريحاتٍ للسيد المفوّض السامي، زيد بن رعد الحُسين، بما في ذلك آخرها، دعا الحكومة العراقية إلى إجراء تحقيقاتٍ بشأن الانتهاكات المنسوبة إلى قواتها. ورحب السيد زيد بإجراء السلطات القضائية تحقيقاتٍ في الإدّعاءات المتعلّقة بانتهاكاتٍ خطيرة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الموالية للحكومة". ولكن للأسف لم تقم الحكومة العراقية بأيّة إجراءات، إضافة إلى الحقيقة المعروفة بانهيار النظام القضائي في العراق تماماً منذ عام 2003 مما يدلّ على أنّه غير قادرٍ على إجراء أي تحقيقاتٍ محايدة وجديرة بالثقة لمحاسبة الجناة. وقد لاحظت بعثة الأمم المتحدّة في العراق، والمفوضية الساميّة لحقوق الإنسان فعلياً هذه الحقيقة المعروفة منذ فترة طويلة. ولذلك، فإن التدابير البديلة التي ستساعد على إرساء سيادة القانون والمساعدة في وضع حدٍّ لمعاناة المدنيين وجميع سكّان العراق هي أمور أكثر من ضرورية. |
||
ولتحقيق هذه الغاية، حثّ مركز جنيف الدولي للعدالة المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان على النظر في الأدلة التي جُمعت حتى الآن، وتقديم كل ما جرى من انتهاكات في الموصل إلى الدورة السادسة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان. كما يجب على المفوّضية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة بشأن الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي على يدّ الحكومة العراقية بما في ذلك الانتهاكات المنتظمة لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين في وقت الحرب. وفيما يتعلق بالمساءلة القانونية في العراق، أوصى مركز جنيف الدولي المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعدّة توصيات منها: • ممارسة جميع التدابير اللازمة من أجل إنشاء لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جميع الانتهاكات في العراق؛ • بذل كل الجهود لتشجيع إنشاء محكمةً دولية مُكلّفة بمحاكمة جميع مرتكبي الجرائم الدولية في العراق. ويُذكر ان الوضع في الموصل وما جرى من انتهاكات كان موضوعاً لعدّة رسائل وجهها مركز جنيف الدولي للعدالة الى السيد المفوّض السامي لحقوق الإنسان ومنها الرسائل المؤرّخة في 6 تشرين الأول/اكتوبر و 16 و 21 تشرين الثاني/نوفمبر، 2016، و 27 آذار/مارس و 24 نيسان/ابريل و 30 مايس/آيار 2017. |
- على سبيل المثال، في 16 تشرين الأول / أكتوبر 2016، أبلغت الحكومة وقوات التحالف السكان، عن طريق توزيع منشورات، بالبقاء في مناطقهم حيث أكدوا لهم أن المدنيين لن يكونوا مستهدفين. وفي وقت لاحق، قصفت قوات التحالف المناطق ذاتها.
- ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في بيانات المركز المعنّونة: "الموصل: الشرطة العراقية تقتل الناس في فيديو صادم". "العراق: استمرار محنة الموصل المدنية". "تصريحات مقلقة تظهر الجرائم والإساءات التي ارتكبتها شعبة الاستجابة لحالات الطوارئ العراقية ضد المدنيين الأبرياء". " مركز جنيف الدولي للعدالة يدعو الأمم المتحدة إلى إنشاء آلية رصد للتحقيق في الانتهاكات في الموصل"
- منها مثلاً ما ورد في بيان مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم حرب جديدة من قبل قوات الأمن العراقية والميليشيات
For the English version please click here.
نداءات اخرى لمركز جنيف الدولي عن حقوق الإنسان في العراق
للمزيد عن متابعة مركز جنيف الدولي للعدالة للاوضاع في العراق:
https://www.gicj.org/ar/2017-01-13-21-33-26
بالانكليزية:
https://www.gicj.org/un-special-procedures-appeals/iraq