العراق: تنفيذ 36 حكماً بالإعدام دفعة واحدة بتاريخ 21 أغسطس 2016
في يوم 26من أغسطس 2016، وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة مذكرة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يُعرب من خلالها عن قلقه البالغ إزاء إعدام 36 شخصاً بتاريخ 21 أغسطس 2016. هذه المذكرة جاءت الحاقاً للنداء العاجل السابق الذي وجّهه مركز جنيف الدولي للعدالة بتاريخ 20 أغسطس 2016 جراء تصديق الرئيس العراقي على التعديل الجديد لقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971، بالإضافة إلى العديد من المذكرات التي شجب فيها المركز إساءة استخدام عقوبة الإعدام في العراق.
وحيث أن المركز يتخوف من أن تكون هذه الإعدامات مجرد البداية لسلسلة أُخرى من الإعدامات نتيجة المصادقة على التعديل القانوني الجديد الذي من شأنه تسريع تنفيذ أحكام الإعدام، فقد حثّ المركز مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من أجل وضع حدٍّ لهذه الممارسات.
حقائق:
في يوم الأحد الموافق 21 أغسطس 2016، أعلن وزير العدل العراقي، حيدر الزميلي، عن تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بحق 36 شخصاً. ووفقاً للمتحدث باسم مكتب المحافظ في محافظة ذي قار (جنوب العراق) فإن: " 36 مداناً من منفذي مجزرة سبايكر قد تم إعدامهم هذا الصباح في سجن الناصرية المركزي". وأضاف أن الإعدامات قد تم تنفيذها بحضور وزير العدل العراقي.
وفي ظل هذه التطورات، يعتري مركز جنيف الدولي للعدالة مخاوف كبيرة بأن هذه الإعدامات هي في الواقع خطوات انتقامية ولا تهدف إلى جلب المجرمين الحقيقيين للعدالة. ويؤكد المركز أن مثل هذه التصرفات الانتقامية لن تؤدي إلا لإضعافٍ أكبر للنظام القضائي العراقي الضعيف أساساً وغير العادل بالفعل.
وفي حين أن مركز جنيف الدولي للعدالة يدين بشدة مجزرة سبايكر ويؤكد على أهمية محاسبة مرتكبيها من أجل تحقيق العدالة، لكن هذا لا ينبغي أن يتم على أسس انتقامية ضد أشخاص قد لا يكون لهم أية علاقة على الإطلاق مع هذه الجريمة. ووفقاً لمصادر مركز جنيف الدولي للعدالة في العراق، فإن العديد من المتهمين حوكموا على أساس أصلهم الجغرافي وخلفيتهم الطائفية لا غير. ومن الجدير بالذكر أن عدداً من القادة السياسيين والميليشيات الموالية للحكومة تشارك بكثافة في هذه العمليات المسماة بــ"المحاكمات". ويذكر المركز جنيف الدولي للعدالة أيضاً أن قادة هذه الميليشيات قد اعترفوا علناً بإنهم قد قاموا بإعدام العديد من الأشخاص في مناطق مختلفة، فقط انتقاماً لمجزرة سبايكر.
وبدوره أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، عن إستيائه البالغ من هذه الحادثة في بيان صدر بتاريخ 23 أغسطس 2016. وذكرّ الحسين السلطات العراقية بموقفه السابق من القتل الوحشي الذي وقع في مخيم سبايكر وأنه قد حث السلطات العراقية على" ضمان أن أي إجراء يُتخّذ بخصوص المجزرة يجب أن يحترم الإجراءات القانونية الدولية للمحاكمة العادلة بدلاً من أن يكون مجرد عملية انتقام"، وأضاف " نحن نشعر بالقلق من أن الأشخاص الذين أُعدموا أدينوا فقط على أساس المعلومات المقدمة من قبل مخبرين سريين أو اعترافات زُعم أنها انتزعت تحت وطأة التعذيب".
خلفية الحدث:
عقب الهجمات الإرهابية الثلاثة التي نُفذّت في مناطق متفرقة من مدينة بغداد يوم الثالث من يوليو 2016، مخّلفة أكثر من 300 قتيلاً وما يزيد على 246 جريحاً، أصدر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمراً إلى وزير العدل لإتخاذ التدابير اللازمة من أجل تسريع تنفيذ أحكام الأعدام بحق السجناء المُدانيين بالإرهاب. في اليوم ذاته، الرابع من يوليو 2016، أصدر وزير العدل بياناً يعلن فيه عن إعدام خمسة مسجونين، كخطوة انتقامية واضحة. وأعلن كذلك أن مكتبه يتخذ تدابيراً من أجل الإسراع في تنفيذ عقوبات الإعدام تتمثل بتقليص المدة المتاحة للرئيس إلى حد أقصاه 30 يوماً من أجل اصدار المرسوم الذي يأمر بتنفيذ أو تخفيف العقوبة. وطبقاً لذلك فإنه يحق لوزارة العدل المضي قدماً في تنفيذ حكم الإعدام بعد شهر واحد من تاريخ صدوره من المحكمة ودون انتظار تصديقه من قبل الرئيس في حال لم يقم بتصديقه قبل هذا الوقت.
وفور الإعلان عن هذه التعديلات في قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ، حذر مركز جنيف الدولي للعدالة من أن هذه التعديلات من شأنها أن تجعل العراق مرشحة للبقاء بقوة ضمن قائمة الثلاث أكثر دول المنفذة لأحكام الإعدام في العالم، والمنافسة من أجل الوصول إلى رأس هذه القائمة المخزية.
في هذا السياق، عبّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، عن قلقه الشديد في بيان صدر بتاريخ الأول من أغسطس 2016. مؤكداً على حقيقة أن: " تسريع الإعدامات من شأنها فقط تسريع الظلم" . علاوة على ذلك، وإذ يبدو أن الحكومة العراقية تستمر بالعمل في ضوء تجاهل تام للقانون الدولي والتزاماتها بموجب المعاهدات المختلفة، فقد حثّ المفوض السامي الحكومة العراقية على "عدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تضعف إقامة العدل وتضائل حقوق أولئك المتعرضين لإجراءات القانون الجزائي.
ومن الراسخ بالفعل عدم التزام النظام القضائي العراقي بأي من المعايير الدولية اللازمة لمحاكمة عادلة. في هذا المنبر، فإن النظام القضائي العراقي قد أُدين بشكل متكرر لقبوله بالإعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب وإصدار أحكام الإعدام بناءً على مخبرين سريين واتهامات مجهولة المصدر. وتفيد التقارير بأن الأفراد المنسوبة إليهم تهم الإرهاب يُحرمون بشكل روتيني من الحصول على دفاعٍ فعّال ويتعرضون إلى أسوأ أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية في حين يقبعون في ظروف اعتقال مزرية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005، والذي يمنح القواعد القانونية الخاصة بإصدار أحكام الإعدام بحقّ المتهمين بجرائم الإرهاب، يُساء استعماله بشكل دوري من قبل السلطات العراقية بهدف التخلّص من المعارضين للنظام، والتي تتم في كثير من الأحيان على أسس طائفية.
الملاحظات:
إنه من المثير للقلق أن الأفراد الذين يتم إعدامهم تتم محاكمتهم فقط بناء على معلومات مقدمة من قبل مخبرين سريين أو على اعترافات تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب.
كما ذُكر أعلاه، فإن النظام العراقي معروف باستخدامه للتعذيب كتقنية من أجل الاستجواب. في السياق ذاته، فإنه التقارير تفيد بأن 19 من المتهمين قاموا بتقديم ادعاءات بالتعذيب والتي لم يتم التحقيق فيها البتة.
تستمر السلطات العراقية بتجاهلها التام لحق المتهم بمحاكمة عادلة. في الواقع، فإنه لم يُسمح للمحكومين بالحصول على فريق دفاع فعّال إلى جانبهم، باستثناء المحامين الذين تم تعيينهم من قبل المحكمة.
في الوقت الذي نكتب فيه هذا البيان، فان هنالك ما يقدّر بنحو 1200 شخص ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهم، وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة للتحرّك السريع من أجل منع تنفيذ المزيد من الإعدامات.
إن النقص في معايير الشفافية والنزاهة، وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، مقلقة إلى حد كبير. ويصبح هذا الوضع أكثر إلحاحاً عندما يتم استخدام هذه السياسة بذريعة مكافحة الإرهاب، في حين أن الحقائق على الأرض تشير إلى أنها تستخدم كوسيلة للانتقام من المعارضين، لأسباب سياسية وطائفية.
التوصيات:
في ضوء الخلفية المذكورة أعلاه، وأخذاً بعين الاعتبار الإعدامات الأخيرة التي قامت بتنفيذها السلطات العراقية، يحث مركز جنيف الدولي للعدالة كل أجهزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وخاصةً المفوض السامي لحقوق الإنسان على:
- تقديم تقرير حول وضع حقوق الإنسان في العراق إلى الدورة الثالثة والثالثين لمجلس حقوق الإنسان، والتي ستعقد في الفترة ما بين 12-30 سبتمبر 2016، ومطالبة المجلس بإرسال بعثة دوليّة مستقلة من أجل التحقيق في كل الانتهاكات المرتكبة في العراق، بما في ذلك التحقيق في العملية القضائية التي أدت إلى تنفيذ أحكام الإعدام والتأكد فيما إذا كانت تستوفي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. هذا التحقيق يجب أن يشمل جميع مزاعم التعذيب المقامة في حق هؤلاء الموجودين على قوائم الإعدام.
- الضغط على الحكومة العراقية من أجل إلغاء التعديلات (التي جرت في 12 يوليو 2016) على قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لعام 1971، والذي يتم استخدامه الآن كقاعدة قانونية من أجل تنفيذ أحكام الإعدام في تجاهل كامل لقانون الإجراءات القانونية وخاصة حق الاستئناف للأشخاص المدانين.
- الضغط على السلطات العراقية من أجل إيقافٍ فوري لأحكام الإعدام. وهذا يجب أن يكون خطوة تمهيدية من أجل المنع التام لحكم الإعدام في البلاد.
مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق
انخراط الميليشيات مع قوات الجيش النظامي في العراق: الطريق إلى الفوضى - اب / اغسطس 2016
الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة - تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة - مايس/مايو 2016
مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016
العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015
مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015
داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015
تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014
مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014
متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014
حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013
السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012