العراق: انخراط الميليشيات مع قوات الجيش النظامي

الطريق إلى الفوضى


في اليوم الخامس من أغسطس لعام 2016، رفع مركز جنيف الدولي للعدالة مذكرة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، يعرب من خلاله عن قلقه الشديد إزاء إنشاء منظمة ميليشيا تسمى جبهة التعبئة الشعبية باعتبارها تشكيل عسكري مستقل، وضمها إلى القوات العسكرية العراقية بزعامة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وهذا القرار ما هو إلا تنفيذ للأمر رقم 91 الصادر عن مكتب رئيس الوزراء في ال24 من فبراير2016.

تم إنشاء هذه الجبهة في يونيو 2014 بعد أن طغت قوات تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بداعش، على قوات الجيش والشرطة العراقية في شمال ووسط وغرب العراق. بعد ذلك، قام رجل الدين علي السيستاني، الذي يوصف بأنه الزعيم الروحي للمسلمين الشيعة العراقيين، بدعوة العراقيين للخروج من أجل دعم قوات الأمن الموشكة على الانهيار. على الفور استجاب الآلاف لهذه الدعوة، وانضموا إلى منظمة مظلة الميليشيات، المنشأة حديثاً، والتي أٌطلق عليها لاحقاً مسمى الحشد الشعبي، فضلا عن العديد من الميليشيات العراقية المنشأة سابقاً، بما في ذلك كتائب بدر، التي أنشئت بدعم من إيران.

الأمر المكتبي رقم 91، أنشأ جبهة التعبئة الشعبية كمنظمة أمنية موازية لقوات الحرس الثوري الاسلامي الايراني وما سبقها من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، مما يعطي فكرة واضحة عن كيف سيقوم الحشد الشعبي بنشر تأثيره.

ويعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن قلقه من حقيقة أن هذا الأمر الحكومي من شأنه أن يعزز الهيمنة الساحقة بالفعل للميليشيات على القوات العسكرية العراقية. ويخشى المركز بأن هذا القرار من شأنه أن يجرف تصرفات قادة هذه الميليشيات إلى الأسوأ، مما يؤدي إلى المزيد من الانتهاكات ضد السكان المدنيين.

الأمر المكتبي رقم 91، يؤكد على أنه، و بمثابة جهاز مكافحة الإرهاب، فإن جماعة الحشد الشعبي  سيكونون مسؤولون مباشرة من رئيس الوزراء العراقي. ويعتبر المركز هذه الحقيقة مقلقة للغاية في ضوء الانتهاكات التي قامت بها هذه الجماعات.

من ناحية آخرى، أعرب مركز جنيف عن شكوكه فيما يتعلق بأحكام الأمر المكتبي رقم 91، والتي تؤكد على أن جماعة الحشد الشعبي هي عبارة عن تشكيل عسكري مستقل وليس لها ولاء سياسي لأي جهة على الإطلاق. لأنه بالنظر إلى الواقع، فإن طبيعة هذه الميليشيات المدرجة في المنظمة تدحض هذا التأكيد. كما أنه عملياً، لا يوجد هناك شيء يمنع الأحزاب السياسية من استخدام الميليشيات من أجل تطبيق الأجندة الخاصة بهم.
ومن الجدير ملاحظته -على وجه التحديد- أن جميع الميليشيات التي يتضمنها الحشد الشعبي هي مدربة وممولة من قبل إيران. ولهذا، فإن جميعهم لديهم نفس الاعتقاد الديني، و سلوكهم الطائفي -مما لا شك فيه- مثير للقلق. وبالتالي فإن إنفاذ الأمر المكتبي رقم 91 من شأنه أن يزيد تعقيد الوضع المعقد بالفعل.

وعلى الرغم من ادعاءات الحشد الشعبي بأنهم ليسوا منظمة طائفية، فهي مجموعة معروفة بمعتقداتها الطائفية القوية و وحشيتها ضد شرائح المجتمع الآخرى، وخاصة الطائفة السنية.

وبالتالي، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يؤكد على استحالة الاعتماد على هذه المجموعات من أجل تقديم الحماية والأمن للمدنيين. ويشير المركز إلى أنه يجب_من باب أولى_ منع انخراط هذه المجموعات في قوات الأمن العراقية منذ البداية.

وعلى وجه التحديد، يفزع مركز جنيف للجرائم المرتكبة في حق سكان محافظتيّ ديالي والأنبار على يد جماعة الحشد الشعبي في ضوء حصانة تامة حتى هذه اللحظة.

وقد تعرض سكان ديالى، في غضون السنوات الأخيرة، وخصوصا في بداية عام 2016، لحملة واسعة من الترهيب، ومن الواضح  أن هذه العمليات كانت تستهدف عمداً العرب السنة. وفي هذا الصدد، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يشير إلى أن طبيعة الجرائم التي ارتكبتها هذه المجموعة والظروف التي ارتُكبت فيها كلها تشير إلى جريمة تطهير عرقي.

كما وشهدت محافظة الأنبار انتهاكات شديدة. وتعرضت مدينة الفلوجة لعملية عسكرية شاملة في مايو 2016، بزعم تحرير المدينة مما يسمى الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وتقوم الميليشيات تحت هذا الغطاء بتنفيذ عمليات الاختطاف والاحتجاز التعسفي والقيام بالممارسات البشعة الآخرى من ضمنها، ممارسة التعذيب ضد السكان المدنيين. تلقى مركز جنيف الدولي للعدالة شهادات عديدة تم فيها الإبلاغ عن حالات تعرضت لعنف لفظي و جسدي، والتي غالباً ما يتبعها الموت العنيف.

وأكد المركز، مرة أخرى، أنه خلافا لما تدعيّه السلطات العراقية، فإن هذه الأعمال ليست معزولة. على العكس، فهي جزء من سياسة العنف  التي تمارس على نطاق واسع ومنهجي، وتستند إلى حد كبير إلى دوافع طائفية. حيث أن مصادر المركز على الأرض والشهادات التي تم جمعها من الناس الذين تمكنوا من الفرار من الميليشيات، جميعها تؤكد أن الاختطافات كانت تتم على خلفيات دينية.

تتمتع الميليشيات حاليا بالحصانة التامة من العقاب على جميع الجرائم التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها. حيث أن الحكومة العراقية، المتواطئة ضمنياً، لم تتخذ أي إجراء من أجل تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة من أجل محاكمتهم. وفي حين أن المساءلة لا تزال غائبة، يعتقد المركز أن الأمر المكتبي رقم  91 لا يبشر بأي شيء أفضل. في الواقع، المركز يتخوف من أن دمج ميليشيات الحشد الشعبي في قوات الأمن النظامية، يمثّل تفعيل رسمي للحصانة الممنوحة لهذه الميليشيات باعتبارها تشكيل عسكري مستقل، مما يعرقل أي إجراءات جنائية ضد هذه الميليشيات في المستقبل.

في ضوء الخلفية المذكورة أعلاه، وبالأخذ بعين الاعتبار الفظائع التي ارتكبها الحشد الشعبي، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يحث جميع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، ولا سيما المفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى الضغط على الحكومة العراقية من أجل وضع حد للحصانة الممنوحة حالياً لقادة وأعضاء ميليشيا الحشد الشعبي وتقديم جميع الجناة إلى العدالة.

كما ودعا مركز جنيف الدولي للعدالة مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بإجراءات الإعدام خارج نظاق القضاء أو بإجراءات موجزاً أو تعسفاً، إلى التركيز في تقريره القادم لمجلس حقوق الإنسان على الانتهاكات التي قامت بها ميليشيا الحشد الشعبي.

كما ودعا المركز فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري للتحقيق في جميع حالات الاختفاء القسري التي ارتكبتها ميليشيا الحشد الشعبي.

وأخيرا، أكد المركز طلبه إلى هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، وعلى رأسها المفوض السامي لحقوق الإنسان، على أن تقوم بكل ما يقع ضمن مسؤولياتها من أجل تشكيل بعثة مستقلة للتحقيق في جميع الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات، ولا سيما فيما يتعلق بادعاءات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.


مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق

العراق: تعديلات على نظام القانون الجنائي و التصديق على أحكام الإعدام تحت تهديد الميليشيات - اب / اغسطس 2016

الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة - تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة - مايس/مايو 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة في نداء عاجل جدا الى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان: التخطيط لأعمال ابادة جماعية في محافظة الانبار - كانون الثاني / يناير 2016

العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: التظاهرات العراقية ممارسة لحرّية التعبير ام دفاعٌ عن الحقّ في الحياة؟ - آب / أغسطس 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة يتهم وزارة حقوق الإنسان في العراق بأنها تبذل جهدا كبيرا للتغطية على الجرائم التي تستهدف طائفة يعينها وتصنيفها ضمن خطط الحرب على الإرهاب - تموز / يوليو 2015

داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015

تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014

معضلة العراق الكبرى : تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق - آب / أغسطس 2014

مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014

متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014

بيان صحفي بمناسبة مرور 65 عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : قليل من التقدم و الكثير من الاخفاقات - ديسمبر / كانون 2013

حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013

مـؤتمر المساءلة لتحقيق العدالة للعراق: عشر سنوات على الغزو والاحتلال : لم يعد الصمت ممكناً - آذار / مارس 2013

مركز جنيف الدولي للعدالة: العراق لم ينفذ توصيات الأمم المتحدّة لتحسين حالة حقوق الإنسان فيه وهو ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدّة - شباط / فبراير 2013

السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012

احدث النداءات

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة