مركز جنيف الدولي يُبلغ الامم المتحدّة جرائم وانتهاكات القوات الحكوميّة ضد المدنيين
في 30 أيار / مايو 2017، وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة رسالة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان تتضمن دليلاً آخر على الآثار الوحشية للحرب على الإرهاب والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن العراقية في الحرب مع تنظيم "داعش" وضمن حملات "التحرير" للمدن التي سيطر عليها.
واشارت الرسالة الى التقرير المفصّل الذي اعدّه الصحفي العراقي، علي اركادي، والذي نُشر في مجلّة دير شبيغل الألمانيّة بتأريخ 21 مايس/آيار 2017، وما سجّله من أشرطة الفيديو حينما كان يرافق قوات الطوارئ لوزارة الداخليّة العراقية لعدة أشهر وبُثّ بعضاً منها في مقابلة مع المحطة التلفزيونيّة الأمريكية ABC news حيث وثّق انتهاكالت مروعة يرتكبها افراد هذه الوحدة دون خوف. وتشارك هذه القوات بالحرب ضد "داعش" وحملات تحرير المدن المحاصرة، مثل الموصل والفلوجة، من الدولة الإسلاميّة. ولما كانت مكافحة الإرهاب هدفاً مشتركا للمجتمع الدولي، فقد حظيت هذه القوّات بتأييد ودعم الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدّة الامريكيّة.
قصّة بطولة
وكان الهدف الأصلي للسيد أركادي هو القيام بتوثيق قصّة بطولة عن كيفية عمل الجنود الشيعة والسنة معا من أجل هزيمة داعش. لكنّه، وبعد أسابيع قليلة، بدأ يُدرك أن الواقع على الأرض يختلف كثيراً عن الصور التي تصورها الحكومة العراقية وحلفاؤها إذ رأى بام عينيه انتهاكات لم يكن يدر بخلده انّها تُرتكب في مثل هذه المعارك، ووثّق اولاً بأول كيف يتناوب عمر نزار (سنّي) وحيدر علي (شيعي) بارتكاب عمليّات تعذيب واعدامات صورّية على ابشع ما تكون.
وتُظهر أشرطة الفيديو التي سجّلها السيد أركادي الواقع المثير للقلق، وحقيقة الأساليب التي تجرى بها الحرب على الإرهاب. وتُظهر اللقطات الوحدات التي يقودها الضابطان عمر نزار و حيدر علي عند اقتحام منازل وشقق يدّعون انهم من مقاتلي داعش المزعومين او من مؤيديهم وارتكاب أعمال عنف وانتهاكات، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والقتل خارج نطاق القانون.
وتوثّق التسجيلات الفيديوية كيف أن الجنود العراقيين يضربون ويهدّدون الرجال الأبرياء، وينفذون بطريقة تعسفية تعذيب سجيناً مكبلاً، مستخدمين أساليب التعذيب السادية - التي كثيراً ما تؤدّي إلى الموت، ومنها انهم يربطون المعصمين بواسطة حبلٍ بالسقف، وصعق السجناء بالكهرباء، ويجبرون المعتقلين على تلفظ عهد الولاء لأبو بكر البغدادي. وبينما تجرى عمليات قتاليّة من بيتٍ إلى آخر للكشف عن المتعاونين مع تنظيم داعش، كشف السيد أركادي أن الجنود يعرفون أن بعض الرجال الذين كانوا يُعذّبون قد فرّوا بالفعل من داعش وهم مدنيون أبرياء.
وفي حين أن هذه الأفعال تشكل انتهاكاتٍ واضحة وجلية للعديد من المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فقد أعلن الضابط عمر نزار، في اتصال هاتفي مع محطة ABC الإخباريّة أنه لا يرى أن حقوق الإنسان تنطبق على الأشخاص الذين يُشتبه في أنهم ينتمون إلى داعش!
وخوفا على حياته وسلامة عائلته، فقد فرّ علي أركادي من العراق الى مكان آخر.
إن الصور ومقاطع الفيديو المُفزعة التي سجّلها المصور الصحفي هي تأكيد آخر على وحشية الوحدات العسكرية التابعة للسلطات العراقيّة الأمر الذي حذّر منه مركز جنيف الدولي للعدالة منذ بدء حملة "التحرير" في الموصل وكذلك خلال العمليات العسكرية السابقة. وقد وثّق المركز في جميع رسائله ونداءاته أن تلك الوحدات – مدعومةً من الميليشيات الموالية للحكومة والتحالفات الدولية - تستهدف عشوائياً الأسر والممتلكات المدنية، بحجّة محاربة تنظيم داعش وكشف جميع فروعه، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والإعدام بإجراءات موجزة والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.
وعلى هذا النحو، دعا مركز جنيف الدولي للعدالة مراراً وتكراراً الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقات مستقلّة بشأن الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية والضغط على الحكومة العراقية لمساءلة الجناة وتقديمهم للعدالة.
وعلى الرغم من النداءات العديدة، فإن الجرائم التي ارتكبتها هذه القوّات لم تتوقف، كما أن الآلاف من المدنيين عانوا من المصير نفسه الذي عانوه الضحايا في مقاطع فيديو علي أركادي. ووفقاً لمصادر المركز، فإن الجنود مسؤولون عن التعذيب والاختفاء القسري والإعدام بإجراءات موجزة والاغتصاب والضرب المبرح والسرقة وتدمير المنازل والممتلكات المدنية الخاصّة والعامة. وفي الوقت نفسه، تزداد معاناة المدنيين تفاقماً بسبب أعمال الجماعات الإرهابيّة والميليشيات الموالية للحكومة التي باتت وحشيتها معروفة على نطاق واسع.
ليست حوادث معزولة:
ومما يؤسف له أن الحالات التي أبلغ عنها السيد أركادي ليست حوادث معزولة بل هي جزءٌ من السلوك المشترك والمُمنهج للعديد من الوحدات داخل القوّات العراقيّة، وقد ارتكبت أثناء كلّ العمليات العسكرية السابقة. وفي حين أن مكافحة داعش وانتشار الإرهاب العنيف يجب أن يكونا من الأولويات، فان مركز جنيف الدولي يرى أن الجيش العراقي ينبغي أن يُعطي الأولوية لأمن وسلامة السكّان المدنيين، دون ان يضيف لهم عذابات أخرى من التي عاشوها تحت بطش حكم داعش الإرهابي.
ومن المؤسف أن المجتمع الدولي قد غضّ الطرف عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية في العراق متوهماً انها تضع المدنيين في الاعتبار وهي تحارب الإرهاب. ولكن، الآن وبعد أن كُشفت وجوه وأسماء مرتكبي ابشع الإنتهاكات، لا يمكن للسلطات العراقية والعالم بأسره أن يستمر في إنكار الحقيقة.
المحاسبة الدوليّة لضمان العدالة
لقد سبق وان وعدت الحكومة العراقية في كثير من الأحيان بإجراء تحقيقات وضمان تعويضاتٍ للضحايا ولكنها فشلت دائماً في القيام بذلك، ولذلك يؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة ان مسؤولية ضمان العدالة للشعب العراقي والتعويض عن كل الأضرار تقع على عاتق المجتمع الدولي.
وفي ضوء الأدلة الجديدة التي قدمتها أشرطة فيديو علي أركادي ، وبالإشارة إلى جميع النداءات السابقة، فقد جدّد المركز دعوته للسيد المفوّض السامي أن يقوم بكل ما في وسعه لضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، وحثّ الحكومة العراقيّة على توفير سبل الانتصاف والجبر المناسبة لجميع الضحايا بسبب الانتهاكات التي يتعرّضون لها على يد قوات الأمن العراقية.
وعلاوة على ذلك، دعا المركز أيضا المفوض السامي إلى الضغط على الحكومة العراقية وحلفائها لإعطاء الأولوية لأمن وسلامة المدنيين والممتلكات المدنية في سياق مكافحة الإرهاب، ومن ثم وقف القصف العشوائي على المناطق المأهولة بالمدنيين.
ليسوا أبطالا بل وحوش
https://ramilolahblog.wordpress.com/2017/05/22/not_heroes_but_monsters
للمزيد عن متابعة مركز جنيف الدولي للعدالة للاوضاع في العراق:
https://www.gicj.org/ar/2017-01-13-21-33-26
بالانكليزية:
https://www.gicj.org/un-special-procedures-appeals/iraq