مركز جنيف الدولي يطالب بإجراء تحقيقات نزيهة وفعالة بشأن الجرائم المرتكبة


22 مايس/آيار/2017  يمثّل مرور عام واحد، على العمليّة التي اطلقتها الحكومة العراقية تحت ما يسمى بحملة "تحرير الفلوجة". عام يمرّ على ما نجم عن العملية العسكرية التي قامت بها الحكومة العراقية بدعم من الولايات المتحدة وميليشيات الحشد الشعبي، حيث تسبّبت في وقوع مئات الضحايا من المدنيين وأدّت إلى نزوح جماعي للسكان ودمرت مدينة بأكملها.

وفي هذه المناسبة، بعث مركزجنيف الدولي للعدالة رسالة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدّة يجلب فيها مرّة أخرى انتباه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى مذبحة الفلوجة. وللتذكير، فبينما كانت الأزمة المأساوية جارية، كان المركز قدّ وجّه عدة نداءات عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بتاريخ 24 أيار2016) وإلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (رسالة في شهر آيار وأربعة رسائل في حزيران وواحدة في آب/2016) والى المقرّرين الخاصيّن المعنيّين بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، وبشأن التعذيب وغيره من حالات سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، ورسالة أخرى الى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي والاحتجاز التعسفي (بتاريخ 11 أكتوبر 2016).

بالاضافة الى ذلك، وجّه المركزفي تاريخ 27 أيار 2016 رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للإعراب عن قلقه العميق بخصوص العدد المتزايد من الإصابات في صفوف المدنيين الناجمة عن الهجمات المميتة التي وقعت على يد قوات الأمن وكذلك القوات الأمريكية والقوات الجوية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي جرت خارج الفلوجة على يد الميليشيات الموالية للحكومة. كما طالب مركز جنيف الدولي في نداءاته المتكرّرة، وبخاصةٍ في رسالته المؤرّخة 19 أيار / مايو 2017، المجتمع الدولي بضرورة التدخل في وقف المذبحة ودعا الأمم المتحدة بإرسال لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات المُرتكبة في الفلوجة، وأكدّ المركز على ضرورة إجراء تحقيقٍ مناسب ومستقل، تأكيدا على أهمية تحقيق العدالة والمساءلة لجميع الضحايا.

(الصور من الفلوجة عن بعض نتائج التحرير)

الانتهاكات والتجاوزات

    في تاريخ 22 أيار 2016، بدأ الجيش العراقي والميليشيات التابعة له،  وبمساندة غطاء جوي أمريكي، وبدعم عسكري ايراني لميلشيات الحشد الشعبي، حملة "تحرير" الفلوجة من داعش او "الدولة الإسلامية". وتكشف الانتهاكات اللاإنسانية والمنهجية المرتكبة ضد السكان المدنيين العزّل خلال هذه العملية العسكرية الطابع الطائفي لهذه الحملات.

وخلال شهري أيار وحزيران 2016، تعرضت مدينة الفلوجة والمناطق المحيطة بها لقصفٍ عنيف وعشوائي الطبيعة واستهدافٍ بغاراتٍ جوّية - مما أدّى إلى زيادة عدد الضحايا بشكل ملحوظ ومثيرٌ للقلق. وبالإضافة إلى خطورة الانتهاكات المُرتكبة ومدى الضرر المتسبّب من القصف الذي تعرّضت له المدينة، فإن ما يدعو للاهتمام بصفةٍ خاصّة هو التواطؤ الضمني للسلطات في مشاركاتها لتلك المذبحة وفشل الحكومة المركزية في إقامة ملاجئ ومخيمات ملائمة لاستقبال المدنيين الفارّين من المدينة المحاصرة.

مأساة الصقلاوية:

توجّه الناس الفارين من مدينة الصقلاوية (إحدى المدن ضمن قضاء الفلوجة) إلى أقرب معسكرات او منشئات عسكرية سعياً للحصول على المساعدة الفورية، ولكنهم سقطوا في أيدي الميليشيات التي تتحكم بالمنطقة جزئياً. ووفقاً للوثائق التي حصل عليها مركز جنيف الدولي للعدالة، تبيّن انه عند وصولهم الى تلك المواقع العسكرية تعرّضوا لمعاملة شنيعة، بما في ذلك ممارسات التعذيب كالطعن بالسكاكين والضرب، واستخدام الأسلحة الأخرى ضدّهم، وتضمن ايضاَ الإساءات اللفظية ذات المغازي الطائفية دلالة على التميزالعنصري والطائفي المكنون في تلك التصرفات. واضافة الى ذلك، كشفت مصادر المركز التي تعمل على الأرض اهناك أنه قد شارك مسؤولين في الشرطة العراقية وبعض قادة من الجيش في عمليات إعدام الأبرياء الهاربين من هول المعارك. ووفقاً لشهادة بعض من نجى من هذه المذبحة، تم قتل المدنيين وإحراقهم أحياءً وإعدامهم في دفعات بإجراءاتٍ موجزة بناءً على ادعاءاتٍ متعلقة بالانتماء إلى داعش.

وبالاضافة الى ذالك، ونظرا لعدم قدرة الحكومة على إقامة مخيمات ملائمة للمشردين، أجبر مئات الأشخاص على العيش في ظروف غيرإنسانية وغير ملائمة للعيش، واضطرّتهم في كثير من الأحيان إلى التشرد (النوم في الهواء الطلق في ظل ظروف جوية قاسية) ونتيجة عن ذالك، حرموا من الغذاء، والأدوية واللوازم الأساسية.

إن مدى معاناة المدنيين وفظائع الانتهاكات المرتكبة يستحيل إنكارها، وقد سبق ان اعترف بها عدد من الشخصيات العراقية البارزة، بما في ذلك رئيس مجلس قبيلة الأنبار، السيد رافع عبد الكريم الفهداوي؛ وعضو لجنة الأمن في محافظة الأنبار، السيد رابح بركات العيساوي؛ ورئيس بلدية الفلوجة، السيد سعدون الشعلان. وكثيرا ما أعربوا عن قلقهم أزاء الحالة وعن الجرائم الشنيعة المرتكبة، وكذلك طالبوا بالكشف عن مصير الأشخاص المشردّين: وتؤكد شهاداتهم أن السلطات العراقية على علمٍ بالمذبحة والعمليات التي تحصل كما انها مكّنت من استمرارها.

 


بعد مرور سنة، المعاناة مستمرّة

    على الرغم من الإدانة الشديدة للعديد من الشخصيّات والمسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدّة، وبالرغم من تعهدات الحكومة العراقيّة بإجراء التحقيقات المناسبة وتوفير التعويض لجميع الضحايا، من الواضح انه بعد مرور عام على ذلك، فأن الوضع لم يتغير. فبتاريخ 7 حزيران 2016، رحبّ المفوض السامي بدعوات الحكومة العراقية بأن تضع القوات العسكرية حماية المدنيين بالحسبان وإخضاع الجناة للمساءلة. ومع ذلك، ورغم هذه التصريحات، لم تتخذ الحكومة اي خطوات ملموسة قط لوقف المجزرة ولحماية السكان المدنيين.
ولم تقتصر الحكومة العراقيّة على عدم حماية مواطنيها في الوقت الذي كانت فيه الجرائم مستمرّة، ولكنّها فشلت أيضاً في إجراء تحقيقات مناسبة ونزيهة وكفالة جبر وتعويض لجميع الضحايا. وعلى هذا النحو، لا يزال آلاف العراقيين يعيشون في مخيمات مؤقتة، ولا يزال هنالك أكثر من 1000 شخص مجهولي المصير حيث اختفوا بعد "التحرير".

وسبق لمركز جنيف الدولي ان أدرج في رسالته إلى السيد المفوض السامي لحقوق الإنسان، المؤرّخة في 12 تشرين الأول 2016، قائمة بأسماء 643 شخصاً تم اختطافهم من قبل ميليشيات الحشد الشعبي في الصقلاوية. ووفقا لهذه القائمة، من الواضح أن الميليشيات قد اختطفت الرجال والفتيان الذين ينتمون إلى نفس الأسر والقبائل - مما يثبت بوضوح الأجندة الطائفية وراء أفعالهم. وبما أن القصد من إجراء هو التطهير العرقي على أساس طائفي واضح، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يرى أن مثل هذه الأعمال قد ترقى الى جريمة إبادة جماعية.
وكما أسلفنا فانه لم تُبذل أي جهود لتوفير سبل الانتصاف والجبر لأسر المختفين ولا لتحديد هوية الجُناة وتقديمهم إلى العدالة. وهكذا، فبعد مرور عام، فأن المأساة لا تزال ماثلة في الفلوجة، ولا يزال الإفلات من العقاب راسخٌ بالانتهاكات التي ارتكبت والتي تُرتكب، ولا تزال أصوات الضحايا لا تُسمع كما يجب.

بل على العكس من ذلك، فان السلطات تواصل تضليل الرأي العام الدولي في التفكير بأن المعركة هي من أجل "تحرير" المدينة فحسب، وانها في الواقع محاولة حقيقية للقضاء على التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة. وفي هذا الصدد، قدّم مركز جنيف الدولي تقارير مكثفة توثّق الطبيعة الطائفية لجميع العمليات التي تقودها الحكومة العراقية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في العراق تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش. وفي ضوء النمط الذي أُتّبعَ في مدن كل من الفلوجة وآمرلي والرمادي وتكريت والموصل، نستنتج بان من الواضح أن هذه الخطط المدبّرة جيداً تحمل في طيّاتها هدف التطهير الطائفي للعنصر "السني" من المجتمع.

واليوم، لا يزال الدمارالناجم عن الحملة العسكرية في مدينة الفلوجة واضحاً في آثاره الطويلة الأمد. وفي الواقع، لم تُبذل أي جهود لإعادة بناء المباني والهياكل الأساسيّة التي دمرتها الغارات الجوية العشوائية، ونتيجة عن ذالك، لا تزال الخدمات العامة والمنازل غير صالحة للاستعمال وغير صالحة للسكن. ولم تعد مرافق الرعاية الصحية متوفرة، وكذالك يطبق بخصوص توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والغازوالكهرباء في الكثير من الأحيان، وبالاضافة الى البنية التحتية التي لم تُرمم، فلا تزال علامات التدميرواضحة.

إن ظروف المدينة تجعل العودة مستحيلة لآلاف العراقيين الذين أجبروا على الفرار خوفاً على حياتهم. واضّطرت مئات العائلات إلى الفرار بين ليلة وضحاها، كما انهم اجبروا على ترك جميع ممتلكاتهم وراءهم، وأصبحوا الآن غير قادريين على العودة إلى ممتلكاتهم والحصول على معلومات عن مصير وظروف منازلهم. وعلى هذا النحو، يضّطر مئات الآلاف من الناس إلى تحمّل بؤس البقاء في الملاجئ والمخيمات المؤقتة التي أقيمت في وسط الصحراء، حيث تواجدهم في تلك الظروف المعيشية صعب للغاية بسبب الاحوال الجوية القاسية ووجود الثعابين والعقارب السامّة. والمشكلة الاساسيّة هي ان هؤلاء الناس لا تتوفر لهم إلاّ قليلاً من الخدمات الأساسيّة والغذاء والمياه النظيفة، ولا يمكنهم الاعتماد إلاّ على مساعدة بعض المتبرعين والجمعيات الخيرية من أجل البقاء. وانه جدير بالذكر بأن معظم النساء اللواتي يعيشن في المخيمات لا يعرفن مكان وجود أزواجهن، واذا كانوا من بين الأشخاص الذين اختطفتهم الميليشيات.

وموجزاً للأمر، يجب على أولئك الذين يحاولون العودة إلى المدينة أن يخضعوا لإجراءات بيروقراطية طويلة ويضطّرون للانتظار ساعاتٍ طويلة امام نقاط التفتيش خارج الفلوجة، حيث تقوم السلطات بالتحقق من هوايتهم وتفاصيل مملّة أخرى قبل السماح لهم بالدخول. ومع ذلك، يجب ان نأخذ بعين الأعتبارأن العودة مستحيلة ليس فقط بسبب الافتقار الى البنى التحتيّة والهياكل الأساسيّة للمدينة، بل ايضاً بسبب الخوف من الرجوع الى المناطق مع وجود بعض الميليشيات التي تواصل تسييّر دوريات هناك حول الفلوجة. إن الميليشيات تتابع تهديد السكّان، ونهب الممتلكات، واختطاف المدنيين، ومنع العمال والمزارعين من الذهاب والقيام بأنشطتهم، تخويفاً للذين يأملون يوماً ما بالعودة.


المطالب

في ختام رسالته، قدّم مركز جنيف الدولي عدداً من المقترحات والمطالب اهمّها الحاجة الملّحة للمسائلة عن الجرائم البشعة التي اُرتكبت في الفلوجة اذ يتوجب التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها. إن معاناة السكّان المدنيين لا يمكن تجاهلها ومن هنا يجب انهاء حالة الإفلات من العقاب للجرائم التي ارتكبت سواء من الميليشيات اوالقوات الأمنيّة او العسكرية. لقد فشلت الحكومة العراقية في توفير الإنصاف للضحايا، والتحقيق في جميع الانتهاكات والعمل من أجل إعادة إعمار المدينة؛ والأهم فان غض نظر المجتمع الدولي عن الفظائع المرتكبة - سيعيق تحقيق

المساءلة وصولاً لتحقيق العدالة. وفي ضوء كل ذلك، قدم مركز جنيف الدولي في رسالته التوصيات التالية:

•    ضرورة وضع برنامج عمل دولي شامل لمعالجة كل ما يتعلق بحالة ما بعد النزاع في كل من: الفلوجة والأنبار وأمرلي وتكريت والدور وجرف الصخر والموصل؛

•    حلّ الميليشيات كافة فقد ثبت بأنها اشد خطورة بالنسبة للسكان المدنيين من ايّ تهديدٍ آخر؛

•    توفير سُبل الانتصاف والجبر لجميع الضحايا المدنيين عن ما يُسمّى حملات "التحرير"؛

•    كشف مصير المختفين والمختطفين وتوفير سبل الانتصاف لأسرهم؛

•    تعديل النهج المستخدم في مكافحة الإرهاب للقيام بعمليات عسكرية في إطار المعايير الدولية؛

•    إرسال لجنة تحقيق دوليّة مستقلة للتحقيق في جميع الانتهاكات المرتكبة خلال حملات "التحرير" التي تقوم بها الميليشيات وقوات الأمن التي تتعاون معها، وقوات التحالف الدولي.


تقرير سابق لمركز جنيف الدولي للعدالة عن الفلوجة

احدث النداءات

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة