الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة

تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة

خلاصة تنفيذية

منذ 22 مايس/مايو 2016 تدور معارك طاحنة في مدينة الفلوجة والمدن والقصبات المجاورة لها في سياق ما تطلق عليه السلطات العراقيّة عمليّة (تحرير الفلوجة) من تنظيم الدولة الإسلاميّة. وبعد مرور أيام قليلة على بدء المعارك تحول هذا (التحرير) الى جحيم وجد أبناء هذه المناطق انفسهم في اتونه سواء من بقي منهم داخل مناطقهم او من حاول الهرب الى خارجها. فعمليات القصف بالطائرات والمدفعيّة الثقيلة والراجمات تصب حممها على المساكن مخلفةً عشرات القتلى والجرحى، تاركةً تدميراً هلائلا لبيوت المواطنين ومحلاّتهم والمؤسسات الصحيّة.  امّا أولئك الهاربين الى خارج مناطقهم فتستقبلهم ميليشيات الحشد الشعبي والقوات الأمنيّة بالإهانات وتمارس عليهم شتّى أنواع التعذيب وأكثرها قساوه ووحشيّة، حارمةً إياهم من الماء والطعام والمأوى اللازم.

وتمادت الميليشيات في جرائمها فراحت تعدم المئات من الأبرياء الذين لجأوا اليها، وتمثّل بجثثهم، بل انها أحرقت البعض وهم احياء، ودفنت آخرين وهم احياء ايضاً.

وهكذا يواجه المدنيون الهاربون من  جحيم المعارك والقصف الجوّي، جحيماً آخراً متمثلّاً بما تقوم به الميليشيات من انتهاكات ضدّهم والتي لم تستثنِ صغيراً او كبيراً، رجلاً او امراةً، ويتلقى مركز جنيف الدولي للعدالة، يوميا، العشرات من الاتصالات والرسائل من أعضائه في العراق، ومن أقاربٍ لضحايا او من أولئك الذين كانوا معتقلين لدى الميليشيات، توثّق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها الميليشيات والقوات الحكوميّة. كما يطلع على ما ينشر من شهادات على مواقع التواصل او في المحطّات التلفزيونية وكلّها تؤكدّ تلك الإنتهاكات.

وفي هذا السياق وجّه المركز  نداءات عاجلة  إلى الأمين العام للأمم المتحدّة، والى المفوض السامي لحقوق الإنسان، وعدد من الهيئات الدوليّة المعنيّة،  والى الدول الأعضاء كافة، يُطالب فيه فتح تحقيقٍ دولي بالمجازر التي أُرتكبت في مدن الفلوجة، الصقلاوية والكرمة، وغيرها من المناطق التي مارست فيها ميليشيات الحشد الشعبي والوحدات الحكوميّة ابشع الإنتهاكات ضد المدنيين العزّل.

ان من اهمّ الجرائم هو ما جرى يوم 2 و3 و4 حزيران في ناحية الصقلاوية التابعة ادارياً الى قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار، حيث اقتادت الميليشات عدداً كبيراً من الشباب والرجال الذين التجأوا اليها هرباً من المعارك واخضعتهم لأبشع صنوف التعذيب ومارست عليهم ساديتها ووحشيتها، ثم اعدمت بدم بارد الكثير منهم حسب ما تؤكدّه شهادات موثّقة للأشخاص الذين حالفهم الحظ ونجوا من هذه المذبحة، حيث قدّروا عدد الضحايا بين 200 الى 300 شخص.

وتلقى المركز تقارير أخرى تؤكد وقوع مجزرة مروّعة أخرى ارتكبتها الميليشيات في منطقة (الازركية) الزراعيّة الواقعة بين مدينتي الفلوجة والصقلاوية. حيث هاجمتها يومي الخميس 3 والجمعة 4 حزيران 2016 واعتقلت اكثر من 300 شخص مدنياً من عشيرة (السادة البكارة)، فاقتادت بحدود 150 شخص منهم واعدمتم بطريقة بشعة في الأزركية في حين اعتقلت 150 آخرين واخذتهم الى جهة غير معلومة ولا يعرف مصيرهم لحد الآن.

إن الإنتهاكات الموصوفة أعلاه، يعتبرها مركز جنيف الدولي للعدالة جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة.  وعند  الاخذ بالاعتبار التصريحات الصادرة عن قادة الحشد وبعض المسؤولين الحكوميين التي تؤكدّ البُعد الطائفي للمعارك واستهدافها مكوناً دينياً معيناً، وكونها تأتي ضمن حملةٍ منظّمة وممنهجة تستهدف المكوّن العربي السنّي، في اكثر من مكان في العراق، بالقتل والتشريد والإبعاد القسري، فأن ذلك يشكل عناصر اساسيّة في جريمة ابادة جماعيّة مكتملة الأركان.

ويحاول المسؤولون العراقيون، وقادة التحالف الدولي، التقليل من حجم الجريمة والقول انها ممارسات فردية، او استنائيّة، في حين ان ما يتلقاه المركز من شهادات موثقة، يُثبت بصورة لا تقبل الشك أن الانتهاكات تُرتكب على نطاق واسع ومن معظم الميليشات المشاركة في العمليات العسكرّية وباسناد ومشاركة فعليّة من الوحدات العسكرية والوحدات الأمنيّة وقادتها، وبعلم وسكوت المسؤولين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الدفاع والداخلية، وانها انتهاكات تكرّرت في اكثر من مكان في العراق بصيغ متشابهة.

ولا بدّ من التأكيد انه لا يمكن التعويل على أي اجراء تَعد به السلطات العراقيّة فالتجارب أثبتت انها مُشارك أساس في هذه الجرائم ممّا يتطلب ارسال بعثة تقصي حقائق دولية للتحقيق في كل انتهاكات ميليشيا الحشد الشعبي وفي كل الأماكن التي جرت فيها انتهاكات، ويطالب المركز بالتوقف عن تقديم أي دعمٍ للميليشيات ومنعها من أي نشاط وصولاً الى حلّها وتقديم كل المسؤولين عنها الى العدالة.

وتزيد مشاركة ايران الوضع تعقيداً، فالمشاركة تتم من خلال دعم الميليشيات الطائفيّة، وتأتي دون اتفاق واضح داخل مؤسسات اتخاذ القرار في العراق، اذ المفروض ان لا تتم هذه المشاركة إلا بعد ان يعقد العراق وايران اتفاقيّة لهذا الغرض تعرض للمصادقة في البرلمان وهذا لم يحصل. كما ان المشاركة تصاحبها استعراضات ذات معانٍ ودلالاتٍ سياسيّة وطائفيّة مثيرة للكراهيّة تتمثل بمشاركة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي ظهر في اكثر من صورة في مناطق العمليات.  وفي هذا الصدد طالب المركز من الأمم المتحدّة والدول الأعضاء العمل على إيقاف مثل هذا التدّخل الذي لا يزيد الأوضاع إلاّ احتقاناً. وتدل الآراء والشهادات من العراق ان ايران جزء أساسي من المشكلة القائمة ولا يمكن الادعاء بانها تشارك للمساعدة في تحقيق الأمن في العراق بل ان لها اهدافاً واطماعاً واحقاداً تأريخية تنعكس بوضوح في خطابات وتصريحات قادتها.

توصيات للمجتمع الدولي:

  • ايفاد لجنة تقصّي حقائق دوليّة، مستقلّة الى لعراق للتحقيق في جميع الإنتهاكات
  • تعيين مقرر خاص لحالة حقوق الإنسان في العراق
  • حلّ ميليشيا الحشد الشعبي، والتوقف فوراً عن أي تعامل معها
  • تفعيل الإجراءات القضائية ضد المتورطين بالجرائم والمتواطئين معهم
  • حثّ العراق للانضمام الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة


مقدّمة

تعرّضت مدينة الفلوجة، الواقعة في محافظة الانبار العراقية، الى هجوم عسكري مدمّر بدأ في 22 مايس/مايو 2016، سمّي بـ (تحرير الفلوجة) تحت الذريعة المعروفة “مكافحة الإرهاب" وفقاً للسلطات العراقية. واشترك في الهجوم وحدات من الجيش (يتألف معظمه من الميليشيات بعد حلّ الجيش العراقي عام 2003)، وفصائل من الميليشيات تحت الغطاء الجوي الأمريكي وبدعمٍ من المستشارين العسكريين الإيرانيين على الأرض، الذين يقدّمون الأسلحة و المعدّات الحربيّة إلى الميليشيات المنضوية تحت ما يسمّى (الحشد الشعبي).

وبعد بضعة أيام من بدء الحملة العسكرية، وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة نداءً عاجلا إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (24 مايس/مايو 2016)، أوضح فيها خطورة ما يجري جرّاء الحملة العسكرية حيث يتزايد عدد الضحايا المدنيين نتجة القصف الجوّي الهائل وطالب باتخاذ اجراءات عاجلة، وقعّالة، لحماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب.

وفي 27 مايس/مايو 2016 وجّه المركز رسالة إلى السيد باراك اوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية موضحاً ان الولايات المتحدّة بما تقدّمه من غطاء جوي فانها تساعد الميليشيات والعناصر الإيرانية على ارتكاب ابشع الجرائم في الفلوجة وتوفّر الغطاء الشرعي لها في حربها ذات الأبعاد الطائفية المكشوفة ضد المدنيين من المكون العربي السنّي في الفلوجة والمناطق المجاورة لها. واعاب المركز على الولايات المتحدة، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي تتحمل مسؤوليات قانونية واخلاقية في حفظ الأمن والسلام الدوليين، ان تكون بمثل هذا الموقف وان تتحول الى داعمٍ للميليشيات والعناصر الإرهابيّة المعروفة لديها مثل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

وفي الأيام التاليّة تفاقمت الأوضاع وتصاعدت الإنتهاكات ضد المدنيين الذين يهربون من المدينة باتجاه القوات الأمنيّة او الميليشيات حيث تعرّضوا لأبشع انواع الإنتهاكات بدءاً بالسب والشتم وفق عبارات طائفيّة مثيرة للكراهية، مروراً بالتعذيب القاسي وباستخدام كل انواع الطرق واكثرها قساوة، ثم عمليات الإعدام الجماعي للمئات من الأبرياء وبطرق وحشيّة والتمثيل بجثثهم، والتفاخر بهذه الأعمال امام مرأى ومسمع الآمرين والقادة وبمشاركة افراد غفيرة من اعضاء هذه الميليشيات والوحدات الحكوميّة.

ومنذ اليوم الأول من حزيران 2016 والمركز يتلقى التقارير التي توثّق (تسابق) ميليشيا الحشد الشعبي في ارتكاب الجرائم المذكورة اعلاه، على نطاق واسع، مع تصريحات مشجّعة من القادة وعدد غير قليل من رجال الدين الذين تُنظّم لهم زيارات الى ميدان المعارك، مستخدمين لغةً وعباراتٍ طائفيّة ضد ابناء المناطق التي تدور فيها المعارك والتي تتكون، اساساً، من المكوّن العربي السنّي. ثم توالت شهادات الناجين من قبضة الميليشيات لتعزّز هذا الرأي وتؤكدّ النيّة المبيتة لهذه الميليشيات في ارتكاب جرائمها مستفيدة من حالة الإفلات من العقاب السائدة في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003.

رايات طائفية ترافق الهجوم


الوضع الإنساني

تخضع مدينة الفلوجة لحصارٍ قاسٍ منذ اكثر من عام، وسبّب ذلك شحّة كبيرة في المواد الغذائيّة الأساسيّة دفع ابناء المدينة الى استخدام ما يمكن الحصول عليه من النباتات طعاماً لأبنائهم. وتزامن ذلك مع شحّة في الوقود والمياه والدواء. وقد ادّى ذلك الى حدوث مجاعات كان من نتيجتها وفاة العديد من الأطفال وكبار السن والمرضى. وقد تدهور الوضع الإنساني بسرعة في أعقاب اشتداد المعارك. إذ واجه معظم النازحين الذين تمكنّوا من الهرب من المدينة العديد من التحدّيات بحثاً عن مكانٍ آمن. وفي ظل غياب الاجراءات الحكوميّة الحقيقيّة لحماية المدنيين الهاربين من المعارك، فقد لقي ما لا يقلّ عن 18 شخصاً  حتفهم إثر غرقهم في نهر الفرات وهم يحاولون عبوره.  كثيرون آخرون يعيشون في ظروفٍ انسانية مهينة. معظمهم يقضّون اياماً في العراء، ويفتقرون إلى ابسط المستلزمات للبقاء على قيد الحياة. ويمثّل الأطفال والنساء وكبار السن، العدد الأكبر من النازحين الذين تتعرض حياتهم، يوماً بعد آخر، لخطرٍ متزايد. ويكمن السبب في ذلك الى عدم قيام الاجهزة الرسميّة في تهيئةالمستلزمات والسكن والاحتياجات اللازمة للنازحين قبل بدء الحملة العسكريّة. بل ان من السخرية ان تدعو السلطات المواطنين لمغادرة المدينة قبل ساعاتٍ قليلة فقط من انطلاق الحملة العسكرّية ودون ان تكون مستعدّة لإستقبالهم. وعلى الرغم من تقديم عدد من المنظمات الإنسانية بعض المواد الغذائية والخيام، لكن ذلك لم يكن من الكفاية بحيث يوفي بمتطلبات الآلاف من المشردّين الهاربين الفلوجة.

القصف العشوائي

يوضّح مركز جنيف الدولي للعدالة ان اعتماد هذه العمليات العسكرية على القصف العشوائي الذي يقوم به الطيران الأمريكي ضمن ما يسمّى (قوات التحالف) والطائرات العراقيّة، فضلاً عن ما تستخدمه وحدات الجيش والميليشيات من اسلحة مدّمرة باستخدام المدفعيّة الثقيلة وراجامات الصواريخ ضد المدينة لا يمكن ان ينجم عنه اي نصرٍ عسكري ضد (المجاميع الإرهابيّة) التي تتنقل من مكان لآخر بمجموعات صغيرة، بل ان التأثير الأكثر وضوحاً هو على المدنيين حيث يفقد العشرات منهم حياته يومياً، ويبقى الكثير من هؤلاء تحت ركام المباني لعدم وجودج فرق انقاذ تعمل بحرّية في المدينة، فضلاً عن اعداد كبيرة من الجرحى الذين لا تتسع ما تبّقى من ردهات مستشفى الفلوجة التعليمي لإستيعابهم حيث تعرّض هو الآخر للقصف (المتعمّد) اكثر من مرّة.

ومع انه لا يوجد تقدير دقيق لعدد السكان المتبقين في الفلوجة إلاّ ان مصادر موثوقة من داخلها تؤكدّ ان عدد من كان قد بقي في المدينة عند بدء الحملة العسكرية كان بحدود 200 الف نسمة، خرج منهم بعد بدء القصف ما يقرب من 4000 فيصبح عدد من هو في المدينة بحدود 196000 – وحتى العدد الذي تذكره السلطات العراقية والذي يتراوح بين  50.000 الى 90.000 من المدنيين، هو عددٌ كافٍ للقول ان عدد الأشخاص الذين همّ في خطر كبير على حياتهم عالٍ جداً مقارنة مع مجرد 500 الى 700مقاتل من الدولة الإسلامية الذين يُعتقد بانهم في المدينة حسب التقديرات.

دور تتهدم، ترى كم هم الضحايا تحت هذه الإنقاض؟

كما أنه من المسلم به علناً من قبل السلطات الأمريكية والعراقية، أن العدو المعلن للهجوم ( ISIS) يتمتع بديناميكية للغاية ويتحرك بسرعة، ولذا فأن شنّ حملة من القصف العشوائي واستخدام هذا النوع المدمّر على نطاق واسع من الأسلحة لا يمكن أن يحقّق اية نتائج ايجابيّة بل بالعكس فان نتائجه العكسية باتت مدمّرة. وإذا كان الغرض حقاً هو "مكافحة الإرهاب وحماية المدنيين"، كما تدّعي السلطات العراقية فمهما كان القصف دقيقاً باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، فأنه لن يكون مناسباً لمثل هذه الأهداف، لا سيما وأن القوات تستخدم أسلحة ومواد ذات قوة تدميرية كبيرة، مما يؤدّي في نهاية المطاف إلى تدميرٍ كاملٍ لمناطق واسعة من المدينة، ونتيجة لذلك، هنالك ارتفاع حادّ في عدد الضحايا والإصابات بين المدنيين، بما في ذلك من بقي منهم محاصراً تحت الأنقاض ولا يستطيع احد استخراجهم بسبب كثافة وشدّة القصف.

وبالإضافة إلى قصف الأحياء المدنيّة فان مستشفى الفلوجة تعرّض هو الآخر لقصفٍ متكرّر بصواريخ جوية منها ما جرى يوم الاربعاء 25 مايو 2016 والخميس 26 مايو 2016، مما تسبّب في العديد من الأضرار التي لحقت المبنى، فضلاً عن تدمير المعدّات الطبية الأساسية. وقد أدّى هذا إلى إضعاف إمكانية تلقي المدنيين، الجرحى أو المرضى، الإسعافات اللازمة مما ادّى الى وفاة عدد منهم جرّاء ذلك.

والمعروف ان مثل هذه الأفعال هي إنتهاكاتٌ جسيمة مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني ومنها قواعد إتفاقيات جنيف لعام 1949، وعلى وجه الخصوص، اتفاقية جنيف الرابعة المتعلّقة بحماية المدنيين وقت الحرب. وتعتبر هذه الإنتهاكات جرائم حرب طبقاً لذلك.

مستشفى الفلوجة التعليمي: هدف متكرر للقصف الحكومي


جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

تؤكدّ الشهادات التي يتلقاها مركز جنيف الدولي للعدالة، يومياً، من أحياء الفلوجة والمناطق المجاورة لها الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها المليشيات المتورّطة في الصراع ضد أولئك الذين تمكنّوا من الفرار من القتال ولجأوا اليها من جحيم المعارك المشتعلة ليل نهار.

وخلال الأيام 2 الى 5 حزيران/ يونيو 2016، أثناء القتال في الصقلاوية (مدينة صغيرة على بعد 20 كيلومترا من مدينة الفلوجة) لجأ أكثر من 1000 مدني إلى أقرب الوحدات العسكرية، ومن سوء حظّهم ظهر انها تنتمي إلى ميليشيا الحشد الشعبي.

وبدلاً من ان تقدّم الدعم والمساعدة إلى هؤلاء المدنيين الناجين من الصراع، فقد تم احتجازهم في اماكن لا يتوفّر فيها لا الماء ولا الغذاء، ضمن عقوبة جماعيّة لم تستثنٍ احدا منهم. ثم راح افراد هذه الوحدات يمارسون ضدّهم ابشع صنوف التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة واللاإنسانية، مستخدمين الهراوات، والعصي والسكاكين وكل ما يقع في ايديهم من وسائل للضرب. ويصاحب كل ذلك استخدام الفاظ (قذرة) من السبّ والشتم والإهانة وتناول الرموز الدينية بالإساءات.

وتمادت هذه الميليشيات في اجرامهم فاقتادت مجاميع من هؤلاء النازحين وجعلتهم يسيرون في طابور طويل وواصلت عمليات الإهانة والضرب والقول علناً بان ما يجري هو إنتقام لضحايا سبايكر (في اشارة الى المتطوعين الذين اعدمهم تنظيم الدولة في معسكر سبايكر عام 2014 في مدينة تكريت التي تبعد عن الصقلاوية باكثر من مائة كيلومتر). ولا يجمع بين ابناء الصقلاوية ومن نفذ الهجوم على سبايكر سوى الإنتماء الى مكون طائفي واحد هو (المكون السنّي).   وهكذا فقد جرى اعدام ما لا يقلّ عن 200 شخص ذبحاً بالسكاكين وبوسائل اخرى، وتم احراق بعض الجثث والقاء

جثث اخرى في نهر الفرات، في حين قال بعض الناجين انهم رأوا الميليشيات تدفن اعداداً أخرى من النازحين وهم احياء، وان عدد من قتل قد يكون أكبر بكثير من الرقم اعلاه.

وقد بدت على اجساد أولئك الذين حالفهم الحظ واطلق سراحهم، وهم بحدود 650 شخصاً، آثار وعلامات التعذيب، واكدّوا إن الميليشيات مارست ضدّهم جميع أنواع التعذيب وسوء المعاملة، وكذلك الإساءات اللفظية ذات الدلالات الطائفية.  ومن بين هؤلاء كان هنالك 150شخصاً يعانون من كسور في الساقين والذراعين ، وهنالك ما يقرب من 100 شخص تظهر عليهم علامات حروقٍ شديدة على ظهورهم وصدورهم. وأفاد عدد من النساء أنه جرى فصلهن عن أسرهم دون إعلامهم متى سيكونون قادرين على رؤية أحبائهم مرّة اخرى. واكدّن انّهن تعرّضهنّ الى مضايقاتٍ من قبل الميليشيات، كما روى احد الأشخاص ان زوجته تعرّضت الى مضايقات وضغوطات من هذا النوع اثناء عمليّات التحقيق التي تجري مع النازحين.

وتحدّث ناجون آخرون عن عمليات تعذيب جماعي برشّهم بالماء الحار وحرمانهم من اي طعامٍ، واطلاق العيارات الناريّة فوق رؤوسهم، واجبارهم على شرب بولهم،  وقتل ابناءهم واقرباءهم امام اعينهم. كما اكدّ شهود العيان ان الميليشيات سرقت كل ما بحوزة النازحين من اموال وممتلكات منقولة حيث ان الكثير منهم كان يصطحب معه مدّخراته لكي يعيش بها مع اسرته في المناطق التي سيستقر بها بعد مرحلة النزوح.

ووفقا لشهادات الناجين، فأن هنالك عدد كبير من الأشخاص الذين ما زالوا في عدّاد المفقودين، وبالتالي، فإن الأرقام الدقيقة عن الذين ما زالوا في عهدة الميليشيات غير معروفة وهنالك خشية من عمليات اعدام اوسع نطاقاً.

إنه جحيم آخر يواجه هؤلاء النازحون في ظل تواطؤ دولي مريب نتيجته الاف الضحايا من الأبرياء.

وطبقاً لقواعد القانون الجنائي الدولي فان هذه الأفعال تُعدّ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة اذ انها تنفذ ضمن هجوم واسع النطاق، وتستهدف اعداداً كبيرة من الأبرياء الذين يقعون ضحيّة اجرام هذه الميليشيات وساديتها. ويتحمل السؤوليّة الأولى عنها القادة السياسيون والقادة العسكريون والأمنيّون بالأضافة الى مسؤوليّة قادة الميليشيات والمرتكبون الأصليون لهذه الأفعال.


جريمة الأزركية

وفي مكان آخر ليس ببعيد عن الصقلاوية سوى ببضع كيلومترات، وعن الفلوجة بثلاث كيلومترات شرقاً، وبالتحديد في المنطقة الزراعيّة المسمّاة (الأزركيّة) ارتكبت ميليشيات الحشد مجزرة مروّعة اخرى يومي الخميس 2 والجمعة 3 حزيران/يونيو 2016، حيث اعتقلت اكثر من 300 رجلاً، واقتادتهم الى قرب مرقدٍ قديم يسمّى (ابو فيّاض)، وهنالك اعدمت ما يربو على 150 شخصاً منهم، بما

فيهم 35 شخصاً من عائلة واحدة، ويحتفظ المركز باسمائهم الكاملة، في حين لم يعرف بعد مصير من تبقى منهم على قيد الحياة وهم بحدود 150 شخصاً ايضاً.

وقد تحدّث الينا شهود عيان من منطقة الأزركية واقارب للضحايا، حالفهم الحظ واطلق سراحهم، مؤكدّين ان المعتقلين قد تمّ نقلهم الى المناطق والمعسكرات التابعة للجيش لكنها تحت تصرّف الميليشيات حيث تستخدمها للأعتقال ولممارسة التعذيب وتنفيذ الإعدامات. ومن هذه المعسكرات، معسكر (طارق) الواقع في منطقة (الحصوة) على الطريق بين الفلوجة وبغداد، ويؤكد شهود العيان ان الميليشيات قامت بتأريخ 3/6/2016 بدفن عدد من هؤلاء المعتقلين وهم احياء في مقرّ الإعتقال في المعسكر المذكور.

مذبحة الكرمة

إن الوقائع التي يذكرها هذا التقرير ليست سوى امثلة على الجرائم التي تُرتكب في منطقة العمليات العسكرية ضمن ما يسمّى عملية "تحرير الفلوجة" والمناطق القريبة منها ومن ذلك ما جرى من جريمة بشعة في ناحية (الكرمة).  حيث يمتلك المركز الأدلّة الكافيّة عن الجريمة البشعة التي ارتكبت في 27 مايس/مايو 2016، توثق قيام ميليشيا تسمّى  (رساليون)، يقودها عضو البرلمان العراقي عدنان  الشحماني، باعدام 17 مدنياً في مدينة الكرمة ذبحاً بالسكاكين، حيث تم فصل رؤوسهم عن اجسادهم والتباهي بذلك امام جمع كبير من العناصر الميليشياوية والعسكرّية. وهؤلاء هم جزء من مجموعة تتألف من 73 شخصاً اختطفوا بعد هروبهم من (داعش) ثم اعتقلوا واقتيدوا إلى منطقة الرشاد الواقعة شمال شرق الكرمة حيث جرت عملية الاعدام الجماعي. وحتى اللحظة ما يزال مصير من تبّقى من هؤلاء الأشخاص على قيد الحياة مجهولاً.

وربّما يعدّ من المفارقات الكبرى ان يتولى عضو في البرلمان قيادة فصيل من الميليشيا ويشرف على ارتكابه جريمة بشعة كالموضحة اعلاه، إلاّ اننا ومن خلال متابعتنا اليوميّة للأوضاع في العراق لا نستغرب ذلك فكثير من اعضاء البرلمان واعضاء الحكومة لا يخفون قيادتهم للميليشيات او عضويتهم فيها، وقسم كبير منهم يشارك في عملياتها ويدفعها باتجاه ارتكاب جرائم مستغلاً صفته البرلمانية والإمتيازات الممنوحة له.

ممارسات فردية ام سياسة منتظمة، وممنهجة ؟

من خلال المتابعة الدقيقة والمستمرّة للأحداث الجارية في العراق، وبصورة خاصّة منذ بروز  تنظيم الدولة الإسلاميّة على مسرح الأحداث بصورة مفاجئة، لاحظ المركز تنامي حملات عسكرّية، واسعة النطاق، تشترك بها اجهزة رسميّة تابعة للحكومة، من وحدات الجيش والشرطة والقوات الأمنيّة، تستخدم الميليشيات كاذرع (غير منضبطة) لها، لتقوم تحت ذريعة محاربة الإرهاب بعمليات إبعاد قسري لسكّان مناطق معينّة ثم تدمير بيوتهم والبُنى التحتية في تلك المناطق، التي تتوزع بين مدن كبيرة واخرى  أصغر الى قرى متفاوتتة الحجم، ومن ضمن عمليات التدمير يتم حرق

الحقول الزراعيّة والبساتين المثمرة وتحويل هذه المدن والقرى الى مناطق غير قابلة للسكن مستقبلاً. ويستخدم في هذه الحملات شتّى انواع الأسلحة من الدبابات والصواريخ والمدفعية الثقيلة.  وغالباً ما رافق هذه الحملات.

كما تطال حملات الميليشيات المراكز الدينية لهذه الجماعة من مساجد ومدارس باحرق والتدمير والإستيلاء، مع قتل القيمين من رجال الدين وائمة المساجد.

لقد تكرّرت هذه الحملات باسايب متشابهة في مناطق ديالى، الـتأميم، صلاح الدين، مناطق حزام بغداد (وبخاصة جرف الصخر، المحمودية، اليوسفية، الراشدية، التاجي...الخ)، واستهدفت تحديداً (المكوّن العربي السنّي) في هذه المناطق. إن تكرار هذه الأفعال، مع علم اعلى السلطات الرسميّة يجعلها راضيةً عنها ومشتركةً بها. كما يُعتبر هذا (التكرار) توافر النيّة المبيتة لدى من يقوم بهذ الأفعال ومن وراءه السلطات المعنيّة، على استمرار عمليات الإبعاد القسري لهذا (المكون) عن المناطق التي يقطنها.

وبالتالي، فإن الإنتهاكات المُبينة اعلاه، التي ارتكبتها الميليشيات وبعض وحدات الجيش، هي جزء من سياسة منتظمة، ممنهجة، طُبّقت على نطاقٍ واسع ، تقوم على عقيدة من الانتقام على أسس طائفيّة وتستهدف عمداً مجموعة ذات خصائص معينّة. وتضمنّت سياسات  لتجويع السكّان من خلال فرض حصار على مناطقهم، وتعمد تعريضهم للمجاعة، وتدمير اسس ومقومات حياتهم.  إن هذه الإنتهاكات إذ تعدّ اساساً جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية، فإنها تعتبر، عندما يكون البُعد الطائفي هو الباعث الدافع لها، جرائم إبادة مكتملة الأركان. إن كلّ ذلك يتطلب اجراءات فعّالة وصارمة على كل المستويات، داخل العراق وخارجه.

سيلفي، مع انطلاقة قذيفة المدفع باتجاه الفلوجة، ترى كم من الابرياء قتلوا مع اكتمال اللقطة!

اجراءات حكومية

تحاول السلطات العراقية إقناع الرأي العام الدولي بأنها ضد انتهاكات الميليشيات المذكورة أعلاه، وادّعى رئيس الوزراء وغيره من المسؤولين، في عدة مناسبات أن هذه الإنتهاكات ما هي إلاّ حالاتٍ معزولة، وأن السلطات ستعمل على التحقيق فيها وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.  ويؤكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة، ومن التجارب العديدة السابقة التي تابعها عن كثب، أن مثل هذه التصريحات لا يعدو عن محاولة لذرّ الرمال في العيون في مسعىً لصرف الأنظار عن الدعوات لعمل دولي جادّ بهذا الخصوص. إن القول ان الإنتهاكات هي حالات فردّية معزولة تدحضه كل الوقائع والشهادات التي يجمعها المركز، والمنظمات الآخرى،وقسمٌ منه صادرٌ من مرتكبي هذه الانتهاكات الذين يتغنّون بما يفعلون لأنهم واثقين من عدم وجود من يحاسبهم على افعالهم. لقد وجد مركز جنيف الدولي للعدالة من خلال استقصاءاته، أن التحقيقات الحكوميّة ما هي إلاّ اكذوبة أخرى فلا نتائج لأيّ تحقيق اجرته الحكومة في الانتهاكات التي ترتكبها قواتها او الميليشيات بعد عام 2003، ولم يتم محاسبة أيّ من المسؤولين عن تلك الانتهاكات. وهكذا، فأن الجناة ليس فقط يفلتون من العقاب، ولكن أيضا يتمتعون بالدعم الكامل للحكومة على ما يقومون به، فكل هذه الأطراف تشترك في سياسة طائفية ممنهجة تطبق على نطاق واسع، موجّهة، كما أسلفنا، ضدّ مكوّن طائفي محدّد في المجتمع العراقي.

إن الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين تجري امام أعين الجميع، واضحت اليوم أكثر وضوحاً واكثر بشاعةً واكثر استهتاراً بكل القيم. وقد اكدّ ذلك عدد غير قليل من المسؤولين في السلطة وعدد من الشخصيّات البرلمانيّة.

وحتى تلك القبائل، المعدودة، التي يشارك بعض افرادها الحكومة في القتال ضد (داعش) ضمن اغراءاتٍ معينّة، دعوا صراحةً السلطات العراقيّة لمنع الميليشيات من المشاركة في المعارك، لأن السلوك الطائفي الذي تنتهجه يضرُّ المدنيين. وعلى وجه الخصوص، قال رئيس مجلس عشائر الانبار، السيد رافع عبد الكريم الفهداوي، في بيان بتأريخ  5/6/2016، أن الكثير من المدنيين تعرضّوا لأنواع مختلفة من الانتهاكات، بما في ذلك القتل والمعاملة المهينة على أيدي الميليشيات.

كما دعا السيد راجح بركات العيساوي عضو لجنة الامن في محافظة الانبار، إلى إجراء تحقيق دولي في جميع الانتهاكات التي وقعت في مدن الفلوجة والكرمة والصقلاوية منذ بداية العمليات العسكرية ضد (داعش) حيث ان هذه الانتهاكات تؤثّر على عدد كبير من المدنيين الذين تم تسجيلهم مع اللجنة، وكذلك العديد من الأشخاص الآخرين الذين لم يعرف بعد مصيرهم.

من جانبه أكدّ رئيس بلدية الفلوجة، السيد سعدون الشعلان أن النازحين من الفلوجة والمناطق المحيطة بها، تعرّضوا لانتهاكاتٍ شديدة من قبل ميليشيات الحشد الشعبي، بما في ذلك الاعدامات الصورية.

واكدّ البيان الصادر عن  الاجتماع الذي عُقد في 4 يونيو 2016 من قبل رئيس تحالف (متحدّون) في البرلمان العراقي، نائب الرئيس السابق أسامة النجيفي، مع رئيس وأعضاء مجلس محافظة الأنبار، وأعضاء البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، مسؤولية رئيس مجلس الوزراء العبادي عن الانتهاكات وقتل أهالي الفلوجة، وأنه يجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع ذلك وتقديم الجناة إلى العدالة. كما دعوه، باعتباره القائد العام للقوات المسلّحة، الى السيطرة الفعّالة على جميع وحدات الجيش والأمن وكذلك وحدات أخرى بما في ذلك ميليشيا الحشد الشعبي، من أجل منع المزيد من الانتهاكات.

عوائل مهجّرة ينتظرها مصير مجهول


الخلاصة والتوصيات

إن مركز جنيف الدولي للعدالة سوف لن يتوقف أبداً عن تذكير المجتمع الدولي بأن الانتهاكات التي تُرتكب ضد المدنيين الأبرياء والعزّل في الفلوجة، وفي أماكن أخرى كثيرة من العراق، من خلال الجهات المذكورة اعلاه، تشكلّ جرائم حرب خطيرة وجرائم ضد الإنسانية، بل أن البعض منها يرقى الى جرائم ابادة، وان السكوت عنها مُخالف للقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن المجتمع الدولي ككل يجب أن يفعل كل ما في وسعه لمنع تكرارها وتقديم كل المسؤولين عنها الى العدالة.

وتتضمن التوصيّات التي قدّمها المركز الى الأمم المتحدّة والدول الأعضاء كافة، ما يلي:

إيقاف القصف الجوّي:

في ظل الوضع المأساوي داخل الفلوجة والمناطق المحيطة بها، حيث يقتل الأبرياء جرّاء القصف العشوائي على يد وحدات الجيش والميليشيات الطائفيّة التابعة للسلطة، وبغطاءٍ جوّي وسياسي من ما يسمّى "التحالف الدولي"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، يكرّر مركز جنيف الدولي للعدالة دعواته السابقة دعواتها إلى المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الى كل الهيئات المعنيّة في الأمم المتحدة ذات الصلة بأن يتمّ،على وجه السرعة، اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة من أجل الضغط على السلطات العراقية، فضلاً عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى التوقف فوراً عن القصف العشوائي على المنطقة، حيث أن هذا لا يساعد في الحدّ من الإرهاب ولكن يهدّد فقط حياة الآلاف من السكان المدنيين.

تغيير السياسات:

إن مركز جنيف الدولي للعدالة اذ يؤكدّ، مرة أخرى، معارضته وادانته الشديدة للإرهاب، لكن المطلوب، وكما اوضح فيه بياناته السابقة، اعتماد سياسات شاملة في هذا الخصوص، ليس فقط في العراق وانما في جميع أنحاء العالم، تعالج جذور المشكلة وليس بعض نتائجها، لغرض تجنّب الهجمات المدمّرة على المدنيين ومدنهم التي لم تؤدِ سوى إلى زيادة الأنشطة الإرهابية.


حظر الميليشيات:

و نظرا  للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرّض لها المدنيين، الذين تمكنوا من الفرار من المعارك في الفلوجة، من قبل الميليشيات المختلفة، ندعو بإلحاح هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة إلى القيام بكل ما هو ممكن للضغط على السلطات العراقية لكي توقف فوراً الدعم والتعاون مع الميليشيات، وان تتخذ الإجراءات اللازمة لنزع اسلحتها من أجل حظر هذه المنظمات الإجرامية بصورة تامّة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على جميع تلك البلدان التي لديها تمثيل في العراق القيام بكل ما في وسعها لنزع الشرعية عن هذه المجموعات ووضعها على قوائم الإرهاب، ويتوجب عليها الامتناع عن المشاركة معها في ايّ نشاط، بما في ذلك استقبال وعقد لقاءات مع قادتها.

حماية المدنيين:

وعلى على الرغم من أن المركز يقدّر عالياً النداء الذي وجّهه المفوض السامي لحقوق الإنسان بتأريخ 7 حزيران/ يونيو 2016 والذي طالب فيه الحكومة العراقية اتخاذ تدابير فورية لضمان حصول جميع الناس الذين يفرّون من الفلوجة ان يعاملوا بما يتفق تماماً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويعتبر ذلك خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، فإنه مقتنع أيضاً أن المطلوب هو المزيد من الضغط لضمان ان تتخذ السلطات العراقية اجراءات لحماية المواطنين الُمحاصرين في المدينة بالتوقف عن القصف العشوائي.

وبالإضافة إلى ذلك، يرى المركز ان من واجب السلطات ان توفّر كل الأحتياجات اللازمة، بما في ذلك المياه والغذاء والمأوى، للنازحين، ويجب أن تساهم بذلك هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة لضمان تلبيّة جميع الاحتياجات الأساسية للمشردين.

ارسال بعثة تحقيق دوليّة مستقلة:

إن مركز جنيف الدولي للعدالة مقتنع تماماً أن السلطات العراقيّة لا يمكن الاعتماد عليها في إجراء هذه المهمّة فهي متواطئة ومشتركة في الانتهاكات وأثبتت في كثير من الأحيان أنها لن تغيّر هذا السلوك. لذا ندعو هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، العمل على إيفاد بعثة دوليّة مستقلة للتحقيق في جميع الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات وقوات الامن التي تتعاون معها، ولا سيما ما يتعلق بجرائم الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.

لتحميل نسخة (.pdf)  باللغة الانكليزية يرجى الضغط هنا.


لتحميل نسخة (.pdf)  باللغة العربية يرجى الضغط هنا.

لتحميل نسخة (.pdf)  باللغة الفرنسية يرجى الضغط هنا.

بنفس الموضوع أقراْ ايضاً:

    مطلوبون للعدالة

    قائمة أوليّة بالمطلوبين للعدالة

    حيدر العبادي: وهو رئيس الوزراء، ولم يتخذ اية إجراءات جدّية لمحاسبة مرتكبي جرائم الاغتيالات والتهجير والتعذيب. فلقد  ترك العبادي لقادة الميليشيات حرّية العبث بمقدّرات البلاد، وارتكاب الجرائم دون حساب، وغالباً ما يحاول التخفيف من هذه الجرائم عندما يصفها بأنها فردية بدلا من اتخاذ اجراءات لتقديم المسؤولين عنها للقضاء.
    فالح الفياض: عضو حزب الدعوة، وهو مسؤول (ميليشيا الحشد الشعبي)، ومستشار الأمن الوطني في العراق. وبهاتين الصفتين يتحمّل مسؤوليّة كبيرة عن انتهاكات وجرائم ميليشيا الحشد الشعبي والقوات الأمنيّة، فهو المسؤول عن التوجيهات ووضع الخطط وتنفيذها وضمان عدم حصول انتهاكات، والتحقيق بها عند حدوثها لكنّه لم يفعل شيء رغم تكرارها.
    هادي العامري: وهو قائد ميليشيا بدر، وقيادي في الحشد الشعبي، يتحمل مسؤولية كبيرة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة التي ارتكبت في الفلوجة وغيرها من المناطق، ويشير السجل الإجرامي للعبادي انه كان يقوم بعمليات تعذيب وقتل لأسرى الحرب من العراقيين إبّان الحرب العراقية /الايرانية في الثمانينات. وبعد الغزو دخل العامري مع ميليشيا بدر العراق عام 2003 وواصل مسيرته الحافلة بالقتل والاجرام ضد المواطنين الابرياء. انه مجرم اساس في كل الجرائم المرتكبة في العراق.
    قاسم سليماني: شريك اساس في الجرائم التي تُرتكب في العراق. وقد زاد تواجده في البلاد منذ منتصف عام 2014 وتنسيقه المباشر يتم مع نوري المالكي وهادي العامري وابو مهدي المهندس، وهويشرف بنفسه على الكثير من العمليات العسكرية ويخطط لها. وقد ظهرت صور سليماني جنباً الى جنب مع قادة الميليشيات وخاصة العامري وابو مهدي المهندس في معارك الفلوجة والكرمة.
    ابو مهدي المهندس: وهو (جمال جعفر الملقب أبو مهدي المهندس) متهم بارتكاب اعمال ارهابيّة، وقد سبق ان اتهم بتفجيرات في اماكن خارج العراق منها الكويت. وتضعه الولايات المتحدّة على قائمة الإرهاب الدولي، وهو القائد المتنفذ في اوساط الحشد الشعبي، ومن المشرفين على العمليات العسكرية وعمليات التطهير العرقي والقتل والاعتقالات في أكثر من مكان في العراق.
    نوري المالكي: وهو رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورّية السابق الذي اعتمد في عمله الحكومي، نهجاً طائفياً واضحاً للعيان. واستخدم لذلك كل الاساليب المثيرة للكراهية والحقد وتأليب ابناء المجتمع على بعضهم البعض. وهو من استخدم القوة العسكرية المفرطة ضد المتظاهرين واستخدم التعذيب على نطاق واسع في سجون العراق، وهو مساهم اساس في الجرائم التي ارتكبت في الفلوجة وغيرها خلال مشاركته وتحريضه الميليشيات على ارتكاب اعمال اجراميّة.
    قيس الخزعلي: وهو قائد ميلشيا (عصائب اهل الحقّ) المتهمة بارتكاب افضع الجرائم في العراق، ومن المساهمين الأساسيين في الجرائم التي ارتكبت في الفلوجة والمناطق المجاورة، وخاصة جرائم التعذيب والقتل الجماعي، و كان من اشدّ المحرضين على ارتكاب المجازر في الفلوجة وعدم رحمة ابناءها.
    اوس الخفاجي: قائد ميليشيا (ابو الفضل العبّاس)، وقد ظهر عشيّة اقتحام الفلوجة في تسجيل فيدوي مخاطباً عناصره قائلا ان الفلوجة (ورم) يجب استئصاله من العراق، وان المعركة ستكون فرصة لهذا الغرض، وشتم ابناء المدينة ووجهائها وائمة المساجد فيها، طالباً عدم الرحمة بهم.  
    عدنان الشحماني: عضو في البرلمان العراقي من القائمة المسمّاة (دولة القانون!) التي يرأسها نوري المالكي، والشحماني يقود ميليشيا (رساليون)، وتؤكد التقارير ومقاطع فيديو ارتكاب هذه الميليشا عملية ذبح جماعي لمجموعة من المواطنين في الكرمة والتمثيل بجثثهم.
    سليم الجبوري: رئيس البرلمان العراقي يتحمل مسؤولية احدى السلطات الثلاث في العراق، وفي جريمة كالتي تحدث في الفلوجة، وما حدث غيرها في مناطق اخرى من العراق، لم يتخذ الجبوري ولم يصرّ على اتخاذ اية اجراءات فعالة ضد الجرائم المروعة واكتفى باطلاق تصريحات خجولة جدّاً.
    خالد العبيدي: وزير الدفاع لم يتخذ ما يتطلب اتخاذه منه من اجراءات عسكرية صارمة للحفاظ على حياة الالاف من المواطنين الذي لجأوا الى الوحدات العسكرية هرباً من المعارك. لقد ترك وحدات قواته تحت امرة قاسم سليماني وهادي العامري ومهدي المهندس تمارس ابشع صنوف القتل والارهاب لتنفيذ مسلسل القتل والتعذيب والتهجير في الفلوجة وقبلها ديالى وفي مناطق اخرى من العراق، فهو شريك اساس في هذه الجريمة.
    محمد الغبّان: وزير الداخلية أحد اهم المتهمين، فهو المسؤول عن كل الاجزة الرسمية من الامن والشرطة المعنية مباشرة بأمن وسلامة المواطنين. لكن الغبّان استسلم للميليشيات الطائفية وترك لها السلطة المطلقة وقيادة اجهزة وزارته الرسمية... وهو هنا شريك اساس في كل الجرائم والانتهاكات ضد المواطيتحمنين في الفلوجة وغيرها من المناطق التي جرت فيها عمليات مشابهة وضح النهار وبانتظام خلال السنتين الماضيتين


    مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق

    مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016

    مركز جنيف الدولي للعدالة في نداء عاجل جدا الى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان: التخطيط لأعمال ابادة جماعية في محافظة الانبار - كانون الثاني / يناير 2016

    العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015

    مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015

    مركز جنيف الدولي للعدالة: التظاهرات العراقية ممارسة لحرّية التعبير ام دفاعٌ عن الحقّ في الحياة؟ - آب / أغسطس 2015

    مركز جنيف الدولي للعدالة يتهم وزارة حقوق الإنسان في العراق بأنها تبذل جهدا كبيرا للتغطية على الجرائم التي تستهدف طائفة يعينها وتصنيفها ضمن خطط الحرب على الإرهاب - تموز / يوليو 2015

    داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015

    تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014

    معضلة العراق الكبرى : تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق - آب / أغسطس 2014

    مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014

    متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014

    بيان صحفي بمناسبة مرور 65 عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : قليل من التقدم و الكثير من الاخفاقات - ديسمبر / كانون 2013

    حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013

    مـؤتمر المساءلة لتحقيق العدالة للعراق: عشر سنوات على الغزو والاحتلال : لم يعد الصمت ممكناً - آذار / مارس 2013

    مركز جنيف الدولي للعدالة: العراق لم ينفذ توصيات الأمم المتحدّة لتحسين حالة حقوق الإنسان فيه وهو ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدّة - شباط / فبراير 2013

    السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012

    اشترك في القائمة البريدية
    الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة