معضلة العراق الكبرى
تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق
مقدّمة
منذ مطلع شهر حزيران/يونيو 2014، والعالم يتداول باهتمام اخبار العراق بعد ان كان في خانة النسيان لسنوات. هذا الاهتمام جاء بعد السقوط المفاجئ لعدة مدن عراقية من بينها مدينة الموصل ثاني اكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد بيد المسلحين المناوئين لسلطة رئيس الوزراء نوري المالكي. ومما زاد من الاهتمام ضهور المسلحين الذين ينتمون الى ما يسمّى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)
وعلى الفور، سادت المناقشات في الاوساط الإعلامية الغربية ثلاثة قضايا 1) داعش والإرهاب 2) الحاجة لوقف داعش وخصوصا من أجل الأمن الوطني لكلّ من بريطانيا والولايات المتحدة 3) إمكانية تقسيم العراق الى ثلاث مناطق من أجل الحفاظ عليها!. وبهذا، فأن الإعلام الغربي، في تغطيته للفوضى الحالية، يقوم بمحاولة مجرّدة من الضمير للتحايل من أجل تقليل أهمية المشاكل الحقيقية التي يواجهها العراق عن طريق تفادي ذكر الاحتلال الغربي للعراق منذ 2003 والتركيز على أن هجوم المسلحين هذا هو فقط المشكلة القصوى التي يواجهها العراق
وعلى نفس المنوال راحت تصريحات المسؤولين الرسميين تتوارد وتتحدث عن الاخطار المحدّقة بالعالم جرّاء ما وصف بتنامي الحركات الإرهابية وضرورة توحيد الجهود للمواجهة القادمة. واستثمرت بعض الحكومات الأمر لتمرير سياساتها، فإيران وجدت في ذلك ضالتها المنشودة للتوغل اكثر في المشهد العراقي بحجة المساهمة في "الحرب على الارهاب". امّا روسيا التي يسيل لعابها دوما باتجاه الأموال العراقية فقد سارعت الى ابفاد وزير خارجيتها الى بغداد لكي يسهل عقد صفقات بيع سلاح جديدة من الترسانة العسكرية الروسية التي يغطّيها الصدأ. وبنفس الاتجاه سارت الصين ودول اخرى خاصة من دول المعسكر الإشتراكي (السابق). امّا الولايات المتحدّة الأمريكية، فقد حاولت في تصريحاتها الايحاء انها لا تتدخل عسكرياً لكن الحقيقة تقول انها اسرعت في بيع شحنات الاسلحة من الصواريخ وقذائف المدفعية ومواد اخرى لحكومة المالكي، وارسلت مئات الخبراء العسكريين اضافة الى خبرائها الموجودين اصلاً في العراق
ولا بدّ من التأكيد هنا، ان مركز جنيف الدولي للعدالة، سبق ان اوضح في تقاريره التي قدّمها الى الأمم المتحدّة أن السياسات التي طبّقها رئيس الوزراء نوري المالكي، والتي وضعتها قوى الاحتلال هي الخطر الحقيقي المُحدق بالعراق والتي ستؤدي إلى التقسيم وكوارث أخرى. لقد ورث نوري المالكي عن الاحتلال سياسة المحاصصة الطائفية ثم حولّها الى سياسة ممنهجة من "الإقصاء" الطائفي. كما ورث عن الاحتلال عمليات التعذيب، وحوّلها ايضا بدرجة اساسية الى ممارسة على أسس طائفية. واكثر ما استخدمه المالكي في سياساته هو ذريعة "مكافحة الارهاب" حيث تم بموجبها اعتقال الآلاف من العراقيين الأبرياء من مناطق بعينها ولأسباب طائفية بحتة. يضاف الى ذلك الأستخدام المُفرط لأحكام الاعدام وعلى اسس طائفية ايضاً فتحت ذريعة مكافحة الارهاب يجري اعدام مئات العراقيين في محاكمات لا تمتثل لأبسط مقومات المحاكمات العادلة فاحتل العراق المرتبة الثالثة في عدد احكام الإعدام في العالم بعد الصين وإيران
وهكذا، فأن قبضة المالكي الحديدية عديمة الرحمة بالتوازي مع سياساته الطائفية أدّت إلى أن تُصبح إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق هي القانون وليست الاستثناء. وقد وجد معارضوه أنفسهم متّهمين بتهم مُريبة مثل الإرهاب. هذه الحالة أضافت إلى نتائج الغزو والاحتلال عام 2003 مزيداً من التدمير للعراق
ورغم ان بعض النداءات قد طالبت باستقالة المالكي والحاجة إلى حكومة وحدة وطنية، والتي ظل يرفضها المالكي إلاّ انها لا تمثل الحلّ الأمثل لقضية العراق. كما توجّهت إدارة أوباما وعدد من أعضاء برلمان المملكة المتحدة إلى إلقاء اللوم على الدمية التي اختاروها من قبل خلال الاحتلال. وأشار بعض الخبراء إلى أن حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تفعل ذلك لتتبرأ من ثقل المسئولية من على عاتقيهما من خلال الإشارة إلى فشل الحكومة العراقية بدلاً من البحث الجدّي في تداعيات الحرب والاحتلال والتفكير بحل مستدام في العراق
من أجل حل هذه الأزمة فإن المفوض السامي لحقوق الانسان قد حثّت الساسة العراقيين إلى البحث عن حلّ دائم للأزمة يشمل حكومة مصالحة تتبنى التمثيل المتساوي لجميع مكوّنات المجتمع العراقي. وقد جاء ذلك بعد بيان السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أكدّ فيه على ضرورة أن تتبنى الحكومة العراقية إصلاحات للسياسات الطائفية. وطبقاً لكلامه فإنه أكدّ على أن العراق يجب أن يكون دولة متوحدّة تستطيع التعايش سوياً سواء كانت حكومته سنيّة، شيعية أم كردية. هذه التصريحات يجب أن يتبناها المجتمع الدولي مع الإحجام عن تسليح نوري المالكي
الاضطرابات في العراق
الاضطرابات الحالية في العراق كشفت الستار عن أكبر الإخفاقات في تاريخ القرن 21، حيث أن هذه الكارثة تلت التصريحات المُضلّلة لتبرير الحرب على العراق واحتلاله مثل ما صرّح به توني بلير مؤخراً بأن الغرب لم يكن سبب أزمة العراق الحالية، مثل هذه التصريحات للتنصل من المسئولية لا تتسبب بإضرار لمبادئ القانون الدولي الأساسية فحسب بل وبالضمير الإنساني
لقد صمت المجتمع الدولي على خروقات حقوق الإنسان في العراق لمدة طويلة على الرغم من حدوث بعض من أبشع الخروقات الصارخة لهذه الحقوق. وهذا المشهد الفوضوي من غياب السلطة الذي يشهده العراق اليوم ما هو إلا نتيجة لما حدث من تفكيك لمؤسستي القضاء والجيش العراقي من قبل الاحتلال الأمريكي. كما لم ينتفض المجتمع الدولي يوماً لخروقات حقوق الإنسان مثل القصف العشوائي والقتل دون تمييز من قبل المحتلّين في مختلف مناطق العراق
إن الاحتلال الأمريكي مهدّ الطريق للعديد من افضع الانتهاكات لحقوق الإنسان التي أُرتكبت في الحكومات العراقية المتتالية مع إفلات مرتكبيها من العقوبة. ولقد غضّ العالم الطرف عن نداءات ملايين العراقيين من خلال مظاهراتهم في 2011 حتى 2013 والتي طالبوا فيها بوضع نهاية لسياسات حكومة المالكي الطائفية. وكما استخدم الاحتلال الأمريكي التفرقة الطائفية لكسر شوكة المقاومة وقت الاحتلال، فإن رئيس الوزراء نور المالكي يستخدم نفس السياسة
داعش والإرهاب
فقدان الذاكرة للمجتمع الدولي جعل من داعش الهدف السهل لوصفها بالمشكلة الحقيقية لما فيه العراق الأن. أغلب النقاشات اليوم تدور حول الاوضاع في الموصل وتكريت وسامراء مصفى لتكرير البترول في بيجي، والحديث عن الحاجة لاحتواء هذه التطورات لتحقيق الاستقرار الإقليمي و الدولي دون ان تتعمق الى ما هو ابعد من المرأي على السطح الآن
يبدو أن حاجة المجتمع الدولي الملّحة وذات الأولوية حالياً هي استمرار التطفل على و التدخل في شئون الشرق الأوسط من أجل تأكيد التوافق على المصالح الأنجلو أمريكية. هذا "التطفل" هو نفس السياسة التضليلية المُبالغ فيها والتي أدّعت أن العراق يملك أسلحة نووية وله علاقة بالقاعدة وثبت بعد ذلك عكس كل هذه الادعاءات
وكما أثبت التاريخ أن العراق لم يكن ليمثل أي تهديد للولايات المتحدة والمملكة المتحدة قبل الغزو عام 2003، فإن هذه الادعاءات بدأت تطفو مجدّداً من أجل احتواء أزمة "داعش" بما معناه انه يوجد حاجة ملحة للتعامل مع ازمة الإرهاب والمتمثلة في "داعش" والتي هي عبارة عن جزء من القاعدة، في حين يتم التغاضي عن اساس هذه المشلكة، وعن اساس المشاكل المستفحلة في العراق
وكما وثقنا سابقا فإن رئيس الوزراء نور المالكي يستغل حجج مثل الأمن القومي والحرب ضد الإرهاب من أجل تنفيذ خططه الاستبدادية والطائفية تماما إذ شنّ ما بين كانون الأول/يناير وآب/أغسطس من عام 2014، اكثر من 40 هجوماً شاملاً ضد مدينة الفلوجة بحجة حربه على الارهاب تماماً مثل ما فعل الأمريكيون عند قصف الفلوجة في هجاماتهم الانتقامية عليها عام 2004 وادعائهم على أنها حرب ضد تنظيم القاعدة الإرهابي وليست ضد حركات المقاومة الوطنية للاحتلال في البلاد
( الفلوجة بعد القصف الامريكي في 2004)
( الفلوجة بعد قصف المالكي في 2014)
ونفس المعاملة لقتها باقي مدن محافظة الأنبار وخاصة الرمادي والكرمة والصقلاوية اذ تتكرّر عليها الهجمات اليومية لنفس الفترة اعلاه بالطائرات والوصواريخ والمدفعية بعيدة المدى. ثم امتدّت الهجمات اليومية على مدن الموصل والحويجة وتلعفر وتكريت وجرف الصخر والمحمودية. والذريعة الجاهزة هذه المرّة هي محاربة "داعش". لقد تعاملت قوات المالكي مع سكّان هذه المناطق على انهم كلّهم "داعش" رغم ان داعش لم تصل بعد الى بعض من هذه المناطق التي استهدفها الجيش مثل جرف الصخر وما يطلق عليها بمناطق حزام بغداد!. إن الحقيقة المعروفة للجميع ان "داعش" ماهي الا مجموعة من المتشدّدين التي لا تشكل (حالياً) الا جزءاً من مجموعة اوسع من حركات مقاومة لنظام المالكي المتكوّنة من ابناء العشائر، وعسكريون سابقون واعضاء في حزب البعث وغيره من حركات المقاومة للاحتلال التي نشأت بعد عام 2003 والتي ظلّت تؤكدّ في بياناتها المعلنة انها تقاوم مشروع الاحتلال الطائفي لتقسيم العراق المتمثل بالحكومات التي اقيمت على اسس المحاصصة الطائفية. وعلينا ان نضع في الحسبان ان "داعش" لم تظهر في المشهد العراقي الاّ في حزيران/يونيو 2014، في حين ان تلك المجموعات تعمل منذ اكثر من عشر سنوات
أما المناطق التي تمّت السيطرة عليها من قبل هذه الجماعات فما يدعو الى الاندهاش كما أشار عدد من المحلّلين ان مثل هذا الإنجاز قد تمّ بسرعة مذهلة. حيث ان العسكريين في جيش المالكي هربوا خلال بضع ساعات متخلّين عن زيهم العسكري وأسلحتهم المتطورة واجهزتهم وعتادهم الذين اقسموا على الحفاظ عليه من اجل الدفاع عن اراضي الوطن! وكلها من أموال العراقيين والتي تقدّر بملايين الدولارات. ان من اهم اسباب ذلك هو ان هؤلاء العسكريون الذي تشكل منهم جيش العراق الحالي هم اصلاً من الميليشيات والعصابات التي نشطت مع الاحتلال فاستدعاهم الحاكم الاميركي للعراق عام 2003 (بول بريمر) وعمل منهم جيشاً جديداُ بعد ان اتخذ قراره الشهير بحلّ جيش العراق الوطني
وعلى الجانب الاخر فان العديد من العراقيين قد أفادوا ان اعداداً من اللاجئين قد قرّروا العودة بعد سماع ان الوضع اخذ يستقر، وان "المسلّحين" قد شجعوا السكان على العودة الى أعمالهم. وقد تمّ في غضون أيام انجاز ما فشل فيه نظام المالكي والاحتلال من قبله خلال عشر سنوات بميزانيتهم الضخمة من توفير الكهرباء والماء وتنظيف المدينة. كما افاد بعض الأشخاص ان الوضع هادئ ورغم وجود انتهاكات مُدانة من "داعش" إلاّ ان المجاميع المسلّحة الأخرى تحاول الحدّ من تلك الانتهاكات والتخفيف عن كاهل السكّان
وطبقاً للمعلومات التي يستقيها المركز من العديد من المصادر المتواجدة على الأرض فان ميزة "داعش" هي انها تحضى بالاهتمام الإعلامي الواسع ويجري تسليط الضوء على انتهاكاتها في حين يتم تجاهل بقية المجاميع التي تعبث بحياة المجتمع العراقي. فما يجهله المجتمع الدولي ان هنالك عشرات الميليشيات التي نشأت قبل "داعش" بسنوات وهي تحضى بمباركة السلطات في العراق. ومن اهم هذه الميليشيات، الميليشيا المسمّاة (عصائب اهل الحق)، وميليشيا حزب الله (العراق) و(جيش المهدي) الذي جرى انشاء فصائل جديدة منه مؤخراً تحت اسم (سرايا السلام). وغالباً ما يتم تدريب وتسليح هذه الميليشيات في ايران وترتبط بمكتب رئيس الوزراء مباشرة وتموّل من قبله وتعمل بالتنسيق المباشر مع اجهزة الامن العراقية. هذه الميليشيات تقوم بعمليات اجرامية واسعة النطاق على اساس طائفي بحت، منها القتل على الهوية، اجبار المواطنين على النزوح من مناطقهم ثم حرق بيوتهم بعد سرقتها. كما قامت بالاستيلاء على السجون واعدام المعتقلين. وتقوم ايضاً بوضع نقاط تفتيش واختطاف الاشخاص واعدامهم. هذا كلّه يجري بعلم السلطات الكامل وبمباركتها له، بل وبالتنسيق التام مع هذه الفصائل الأرهابية. والمعضلة الكبرى انه يجري تنفيذ تلك الاعمال تحت ذريعة محاربة الارهاب و"داعش" تحديداً في حين ان الجرائم تطال مواطنين عراقيين في اماكن سكناهم لا علاقة لهم بما يجري من قتال. ويوثقّ مركز جنيف باستمرار الكثير من هذه الجرائم استعداداً للملاحقة القضائية لهذه العصابات
{youtube_plus}gF8Kfh9gc3E,?rel=0,520,320{/youtube_plus}
قوات المالكى تحرق وتسلب دور المواطنين في منطقة جرف الصخر تحت حجة وجود داعش
من يقف ضد المالكي والسلطة في العراق، ولماذا؟
في لقاء تلفزيوني مع اللواء مزهر القيسي من المجلس العسكري العام لثوار العراق على قناة الجزيرة افاد: اليوم قد اشعلت القبائل لهيب الثورة والتي لن تنطفئ، هذه الثورة بدأت منذ ان طالب شعبنا بحقوقه المشروعة في اعتصاماته الدستورية ولكنه قوبل بالعنف. السلاح هو خيارنا الأخير لفرض إرادتنا. وبعد السيطرة على الموصل، صلاح الدين (تكريت)، الفلوجة، الكرمة، بيجي ومناطق اخرى فنحن الان على حدود بغداد. وعن الموقف الميداني حاليا قال: إن الناس سعداء بإزالة الظلم والطغيان الذي كان واقع عليهم من وحدات الجيش والوحدات الأمنيّة التابعة لنوري المالكي
وعند سؤاله عن لماذا اللجوء للعمليات المسلحة؟ كان ردّه ان المالكي هو من بدأ واجبرنا على انتهاج هذا السلوك، حيث انه عندما كانت وحدات الجيش ترسل إلى مناطقنا لتقوم بتجهيز نقاط تفتيش فان الغرض منها هو إهانتنا وقهرنا والاعتداء على شرفنا، وهذا ما لن نقبله ابداً وهو ما أوضحناه في أولى بياناتنا أن سلطات المالكي الطائفية هي من يؤذي أو يهين كرامة المواطن العراقي و يتعرض لممتلكاته
وأضاف: عادة ما تنتهي النزاعات المسلحة بحلول سياسية، حيث انه من غير الوارد ان تستمر الحركات الثورية بعملياتها العسكرية دون حلول سياسية، وسوف نوقف العمليات العسكرية حينما تتحقق هذه الحلول السياسية. كانت رغبتنا ان نحقق هذه الحلول السياسية بأقل الخسائر الممكنة الا اننا اُجبرنا على حمل السلاح بتأييد شعبي يدعمنا وصرّح لنا بحمل السلاح دفاعاً عن النفس والاعراض والممتلكات. لقد كان علينا كقادة في الجيش العراقي الوطني (السابق) لنقود الثوار من القبائل والعشائر العراقية، وعندما يطلب منا هؤلاء الثوار التخلي عن السلاح سوف نستجيب وقتيا لطلبهم
نحن كرّرنا أكثر من مرة أننا لسنا دعاة حرب، ولا نريد إراقة الدماء وعلى العكس أي نقطة دم تراق على تراب العراق بغض النظر في أي مكان أريقت فيه هي دماء عزيزة علينا
(الرمادي كما بدت في حزيران/يونيو 2014 بعد هجمات وحدات المالكي)
وعند سؤاله عن علاقته "بداعش"، أكد اللواء القيسي، أنهم يختلفون كثيراً عن نهج داعش، وأنهم قد يبدو انهم سائرين على هدف عام واحد للإطاحة بنظام المالكي الطائفي. وأضاف أنه عندما تتحقق الديموقراطية الحقيقية في العراق فإن الشعب العراقي سيلفظ "داعش" تلقائيا وسيقرّر نظام الحكم الذي يرتضيه بيده. وفي نهاية رسالته للعالم أضاف نحن نناشد المجتمع الدولي أن ينظر نظرة إنسانية لمطالبنا. حكومة المالكي قتلت الالاف، ودنست مقدساتنا واعتقلت النساء وارتكبت مجازر وابادة لأهالينا، والفساد بلغ اعلى درجاته جرّاء العبث باموال الشعب العراقي، وكم طلبنا من عون فلم يستجب أحد فأضطررنا للدفاع عن انفسنا
وقال في نهاية اللقاء: نحن نريد عراق جديد، يتمتع أهله بخيراته، عراق ديموقراطي تحكمه حكومة مختارة من الشعب، حكومة عادلة توحد جميع طوائف الشعب تحت راية الوطن. نحن لا نقبل تقسيم العراق باي شكل من الاشكال سواء مجتمعيا او جغرافيا. وتنتهي هذه الفترة السوداء من تاريخ العراق التي اتى بها الاحتلال الغاشم. نلك يتطلب جميع الجهود لتوحيد الوطن وان يثور العراقيين من اجل التغيير وتحقيق نظام ديموقراطي وليست ديموقراطية طائفية
(فيديو لقاء اللواء القيسي بالجزيرة)
الحرب والاحتلال
عندما نتحدث عن أزمة العراق اليوم، يجب أن نبدأ بالاعتراف أن الغزو والحرب والاحتلال هي من أكثر الصور الزائفة في وقتنا المعاصر حيث تم تبرير ذلك بشتى أنواع المبرّرات غير الحقيقية والنتيجة أن العراق لم يتحسن حاله عما قبل الاحتلال بل تتقهر كثيرا الى الوراء رغم ان موارده السنوية تفوق المائة واربعين مليار دولار امريكي؟؟ وعلى العكس فأن النزاع الذي نشهده حالياً، بفضل سياسات الحكومات المتعاقبة، جعل حال العراق أسوأ ودون حل واقعي في المدى القريب
يجب ان يكون واضحاً دائماً، ان الوضع الإنساني المأساوي الناتج عن الحرب والاحتلال هو بالتحديد السبب وراء ما اصاب المدنيين من أذى نفسي لفترة طويلة وامتعاضهم من هذا الوضع مهدّ الطريق لظهور مجموعات معارضة وطنية، لكنّه ايضا ادّى الى ظهور مجموعات متطرفة بل وظهور عصابات مجرمة. وهذا ما عقدّ المشهد امام المراقب الخارجي
ويبدو ان البعض قد نسي او تناسى (كما هو الحال مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير) ان العراق كان ـ قبل الغزو والاحتلال ـ دولة نامية تحثّ الخطى نحو التطور وكان لها مستقبل واعد من حيث انظمة الصحّة والتعليم ومشاريع البنيّة التحتية، مع نمو اقتصادي واعد حيث أن نسبة البطالة كانت معدومة قبل فرض العقوبات الإقتصادية
إن نظام العقوبات متزامناً مع مآسي الحرب والاحتلال والسياسات الطائفية شكّلت في مجموعها السبب الرئيس الذي جعل العراق يتراجع في كل المسارات، وتضعف بنيته التحتية والتعليمية والصحيّة. وهو الذي ادّى الى زيادة معدّلات البطالة والفقر. وكل ذلك خلق بيئة مناسبة لنشوء التطرّف. وهو الذي أشعل فتيل الأزمة التي نشهدها اليوم. كما ان الإهتمام الإعلامي المبالغ فيه الذي تلقاه "داعش"، مع التشويش المتعمّد وعدم الاهتمام المقصود بما يلقاه المتظاهرون الأبرياء وقوى المعارضة الوطنية ضد نظام المالكي من عنف ومعاملة دموية، يعكس السياسة الانتقائية الدولية (المزمنة) فيما يتعلق بالاوضاع في العراق
وبالتالي، اذا اردنا ان ننظر الى الصورة الأوضح للعراق، فعلى المجتمع الدولي ان ينتبه الى ما حدث ويحدث من انتهاكات حكومية وجرائم متعمدّة ضدّ المواطنين العراقيين في كل من مدن تكريت، الحويجة، الفلوجة، الرمادي، الموصل، جرف الصخر، المحمودية، الكرمة .....وغيرها من المدن التي يتواجد فيها معارضي نظام المالكي الاستبدادي. ان قوات المالكي تقصف يومياً هذه المدن الآهلة بالسكان بالصواريخ التي تحملها الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر، وبالراجمات وقذائف المدفعية بصورة تتعمد ايذاء المدنيين واجبار من يتبقى منهم على النزوح من هذه المدن. كل ذلك تحت ذريعة محاربة الارهاب
(21/07/204 انتشال الاطفال من تحت الركام نتيجة القصف الذي استهدف احدى المباني السكنية في الحويجة)
ومما زاد من المأساة لجوء قوات المالكي، دونما اي رحمة، الى استخدام البراميل المتفجرة ضد هذه المدن. فقد بدأت باستخدامها ضد المواطنين في ناحية الكرمة في نيسان/ابريل 2014 ولا تزال تستخدمها على نطاق واسع في الفلوجة والرمادي والمدن الأخرى. والمعروف ان هذه البراميل لا يمكن توجيهها نحو اهداف محدّدة بل انها ترمى ضد مناطق معينة آهلة بالسكان. ويحدث انفجارها تدميراً واسعا للمنازل لما تحمله من كميّات هائلة من المواد المتفجرة والمواد السامة. وهكذا فقد ادّى استخدامها الى قتل اعداد كبيرة من المواطنين واحينا عائلات بأكملها
13/07/2014 قصف حي الجمهورية بالفلوجة ببرميلين متفجرين
إن القصف اليومي للمدن الآهلة بالسكّان يؤدي بالنتيجة الى عمليات ابادة لعائلات بأكملها. ومنذ بداية هذا العام (2014) حيث اشتدت العمليات العسكرية لجيش المالكي والوحدات المرتبطة به، وثّق مركز جنيف الدولي للعدالة الادلة على ما حدث للكثير من العائلات العراقية حيث تتعرّض منازلهم للقصف فتنهار عليهم ويذهب ضحيّة ذلك الاطفال والنساء وكل افراد هذه العائلات دون ذنب اقترفوه
(3/8/2014 مقتل الدكتور أكرم عبد الرزاق عبود ، الأستاذ في قسم التاريخ بكلية الاداب جامعة الموصل مع جميع افراد عائلته في منطقة البناء الجاهز شمال مدينة الموصل فى قصف جوى لقوات المالكى)
من هنا، فأن اية عقود لتوريد السلاح او المساعدات التقنيّة العسكرية التي تقدّمها بعض الدول (وفي المقدّمة منها الولايات المتحدّة و روسيا و ايران) للسلطات الطائفية في العراق بحجة محاربة الإرهاب ما هي الا شهادات وفاة للمدنيين. ان الحقيقة التي استخلصناها من متابعاتنا اليومية داخل العراق هي ان هذه الحجة ما هي الا تضليل وأكذوبة انطلت على المجتمع الدولي
وخلال شهري حزيران وتموز الماضيين جرى توثيق قيام قوات المالكي باعدام عشرات المعتقلين دون محاكمات بعد اضطرارها للانسحاب من بعض المواقع. مرتكبة جريمة فضيعة ضد الانسانية تضاف الى انتهاكاتها المستمرّة
ان المالكي لا يحارب الإرهاب وانما يحارب طائفة دينية معينة كما يحارب خصومه ومعارضيه السياسيين، و ان بعضا من هؤلاء المعارضين لجأوا للعنف لأن التظاهرات السلمية كانت تقابل بوحشية لا توصف. وداعش ما هم الا فصيل من هؤلاء ينمو ويزداد قوة وحجماً نتيجة الإحباطات السياسية والخوف المجتمعي من بطش قوات المالكي وفشل المجتمع الدولي في معالجة جذور المشكلة في العراق
ولو اردنا ان نضع انتهاكات المالكي، والسلطات العراقية ككل، في سياق قانون صحيح فانه خلال هذا العام فقط (2014) جرى انتهاك متعمد لقواعد القانون الدولي الانساني من خلال القصف المتعمدّ للمدن الآهلة في السكان والتي لم يكن في داخلها اية اهداف عسكرية. وتضمن ذلك ايضا قصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة. وفي اطار ذلك ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية من خلال الهجمات المنظمة واسعة النطاق التي ادت بحياة المئات من المدنيين (في الفلوجة وحدها لقي اكثر من 2000 مواطن حتفه جرّاء قصف قوات المالكي منذ بداية العام، يضاف لذلك اعداد مضاعفة من الجرحى، فضلاً عن نزوح اكثر من 400 الف شخص مرغمين جرّاء هدم دورهم ومنازلهم ومساجدهم حيث هدم اكثر من 24 جامع في الفلوجة وحدها هذا العام). انتهكت قوات المالكي الحق الأساسي في الحياة، الحق في السكن، الحق في الصحة، الحقّ في المحاكمات العادلة. مارست شتّى ضروب التمييز على اسس طائفية وصلت حدّ الوصف بارتكاب جريمة ابادة ضد مكون ديني معين عندما استهدفت عمدا من خلال العمليات الحربية مدن معينة وحاصرتها ومنعت عنها الغذاء والدواء بهدف اهلاك ساكنيها. لقد صرّح المالكي واعضاء من قياداته علناً بما يؤكد تلك النيّة.
دور المجتمع الدولي
يحتاج المجتمع الدولي ان يقف مع العراقيين أنفسهم دون ان ينحاز الى طرف على حساب طرف اخر او تكون اهتماماته مجرد الدفاع عن المصالح والمنافع، ويجب ان تكون مصلحته فقط حماية حياة وكرامة ملايين العراقيين الأبرياء. كما يجب على المجتمع الدولي كذلك ان يقبل ان العراقيين لن يشعروا بالأمان الى ان يواجه مجرمو الحرب هؤلاء محاكمات باسرع وقت ممكن. ربما كانت "داعش" سببا في ان يهتم العالم مرة أخرى بالعراق، لكن مع هذا يتوجب على المجتمع الدولي عدم تجاهل الأسباب الحقيقية وراء الازمة الحاليّة في العراق والتي تعرضنا لها في سياق هذا التقرير. إن من المهم ان نفهم مدى عمق هذه المسائل قبل ان نحاول إيجاد حلول لها
ولو جرى التمسك بمبادئ التكافل والمسئولية الدوليّة، فإن العراق يجب ان يكون في أولويات الدول التي تحتاج الى مساعدة المجتمع الدولي الفورية. حيث يجب ان ينتهي الدعم العسكري وتجارة السلاح في الحال، كما يجب ان تتوقف التدخلات الخارجية الغربية والايرانية تحديداً. ويحتاج العراق الى قادة جدّد يتم اختيارهم من العراقيين وليس طبقاً لمصالح الاحتلال الأجنبي . ومن هنا فإن هؤلاء القادة يجب ان يكونوا من خارج كل المجموعة التي جاء بها المحتل حيث انها مجموعة تؤكد التجربة انها ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان كما انها انغمست بالفساد مما يتطلب محاكمتها
ويتوجب على الأمم المتحدّة ان تكف عن ممارسة دورها الذي مارسته خلال السنوات العشر الماضية في العراق والذي كان يركزّ على التقليل من حجم جرائم وانتهاكات السلطات ومحاولات اضفاء الشرعية على هذه الانتهاكات بمحاولة تصويرها ان ما تقوم به السلطات هو حرب على الارهاب وهي تعلم جيداً انها استهداف طائفي واضح جدا. ثم ان الأمم المتحدة ادارت ظهرها لهذه الانتهاكات عندما ظهرت "داعش" في المشهد العراقي، وكانها كانت تبحث عن من تحمّله كل ما يجري فراحت تتحدث عن ما تصفه بمعلومات موثقة وتغض الطرف عن الانتهاكات الأوسع والأشمل والأخطر التي تقوم بها سلطات المالكي. كما غضّت الأمم المتحدّة والدول الاعضاء في مجلس الأمن الدولي الطرف عن التدخلات الإيرانية المستمرة والتي وصلت الى حدّ اشتراك الطيران الأيراني، ووحدات ايرانية في حرب المالكي ضد المدن العراقية المنتفضة على الرغم من ايران نفسها لم تنكر ذلك بل ادّعت ان عناصرها يدافعون عن(الأماكن المقدّسة). ان السكوت على هذا الانتهاك الصارخ من شأنه ان يخلق حالة وممارسة جديدة على الصعيد الدولي اذ تستطيع اي دولة بموجبها ان تتدخل بشؤون دول اخرى بحجة ان لديها اماكن مقدّسة هناك!!ـ يتوجب على الأمم المتحدة ليس ادانة هذا العمل بكل قوة فحسب، بل ضمان ايقافه على الفور وتحميل ايران المسؤولية الكاملة عنه
كما يكرّر مركز جنيف الدولي مناشداته السابقة لمكتب المفوض السامي لحقوق الانسان بايلاء موضوع العراق الاهتمام اللازم، والعمل على ارسال فريق من المقرّرين الخاصّين للتحقيق بكل الانتهاكات المرتكبة، كما يؤكد مرة أخرى ضرورة تعيين مقرّر خاص لحالة حقوق الانسان في العراق لدى الأمم المتحدة، حيث نأمل ان تكون هذه الازمة سببا في تعيينه
ويوجّه المركز ندائه الى كل المنظمات غير الحكومية ان تعمل ما في وسعها لتسليط الضوء على الانتهاكات في العراق وان تسعى لمعرفة الحقائق وعدم مسايرة ما تنقله وسائل الاعلام فقط في تغطيتها غير المتكاملة للموضوع والتي قد تهدف في بعض الأحيان الى تضليل الحقائق.
مواضيع ذات صلة:
حالة حقوق الإنسان في العراق: تقرير مركز جنيف صدر في 30/10/2014
العراق و الإنتهاكات المنتظمة: معضلة العراق الكبرى
الحالة في العراق: المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية
خيانة شعب ــ وإفلات من العقاب الى الأبد؟ د. هانز فون سبونيك، رئيس مركز جنيف الدولي للعدالة
السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت
للمزيد عن مشاركة مركز جنيف الدولي للعدالة في مجلس حقوق الانسان و مؤتمرات دولية:
الدورة 28 من مجلس حقوق الانسان
الدورة 26 من مجلس حقوق الانسان
الدورة 25 من مجلس حقوق الانسان
الدورة 24 من مجلس حقوق الانسان
الدورة 23 من مجلس حقوق الانسان
الدورة 22 من مجلس حقوق الانسان