اكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة أن العراق هو ابعد ما يكون عن تنفيذ توصيات الأمم المتحدة الواردة في تقرير الإستعراض الدوري الشامل الذي أقرّ عام 2010 بهدف تحسين حالة حقوق الإنسان في العراق. ورأى مركز جنيف في تقييم لما تم تنفيذه في منتصف المدة ان السلطات العراقية لم تنفذ حتى الآن معظم التوصيات التي قدّمها المجتمع الدولي، وتعهدّت بتنفيذها، والبالغة 179 توصيّة خلال الاستعراض الدوري الشامل للعراق مطلع العام 2010. كما يرى المركز أن العراق ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعتها الأمم ويصعب التكهن بحصول تطورات ايجابية على مختلف المستويات في العراق خلال المدى المنظور.

والاستعراض الدوري الشامل (UPR)  هو إحدى آليات مجلس الأمم المتحدّة لحقوق الإنسان لمراقبة حالة حقوق الإنسان في مختلف البلدان من اجل تحسينها. في 16 شباط/  فبراير 2010، تم إستعراض حالة حقوق الإنسان في العراق وأدلى ممثلو الدول الأعضاء للأمم المتحدة ببيانات وقدموا توصيات محددة من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في العراق المثيرة للقلق. وقد حظيت التوصيات بموافقة السلطات العراقية واعتمدت رسمياً من قبل الأمم المتحدة.

ومن بين أهم التوصيات كانت التوصيات التي تنصّ على إيقاف فوري لتنفيذ أحكام الإعدام تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام في العراق مستقبلاً. والتوصيات المتعلقة بتحسين حالة السجون واماكن الاعتقال، والتوقف عن المعاملة السيئة للمعتقلين وخاصة التعذيب المتفشي على نطاق واسع في السجون العراقية.

وتضمنت التوصيات ايضاً العمل على تحسين النظام القضائي، وعدم تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه. احترام سيادة القانون وضمان الحقّ في الحياة، وضرورة توفير محاكمات عادلة للمتهمين وتمكينهم من الاستعانة بالمحامين. وتناولت التوصيات مجالات اخرى مثل حرية التعبير وحماية الصحفيين، والنظام التعليمي، والرعاية الصحيّة، والخدمات الأساسية.

كما تضمنّت التوصيات ضرورة التعاون مع آليات الأمم المتحدّة المعنيّة بحقوق الإنسان وضرورة توجيه دعوة مفتوحة للمقرّرين الخاصيّن لزيارة العراق.

ومن خلال المراجعة التي اشتركت فيها عدة منظمات غير حكومية بالتنسيق مع منظمة (uprinfo) ظهر أنه بعد سنتين من الاستعراض الدوري الشامل، ورغم ما أعلنته السلطات العراقية من التزامها بتعهداتها الدولية والعمل على ضمان حقوق الإنسان فقد ظهر أنها لم تنفذ معظم التوصيات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان. فمن  المؤكد أنها لم تنفذ في أقل تقدير  100  توصية من اصل 179، ولم تجب على 25  توصية. وعلى الرغم من الإدعاء بتنفيذ 14 توصية بصورة كاملة، وتنفيذ 27 توصيّة بصورة جزئية، إلا ان مركز جنيف الدولي للعدالة وجد أن حتى تلك الإعداد المتواضعة غير صحيحة وأن السلطات العراقية ابعد ما تكون  الآن عن تنفيذ التوصيات، وأن حقوق الإنسان في العراق تتعرض لإنتهاكات خطيرة، مستمرة، وواسعة النطاق.

وبصورة محدّدة رأى المركز أنه في مجال حرية التعبير وحماية الصحافة، وعلى الرغم من صدور قانون حماية الصحفيين في آب/ أغسطس 2011، إلاّ أن ذلك القانون لا يتوافق مع المعايير الدولية وما تزال مهنة الصحافة دون حماية، إذ غالباً ما يتعرّض الصحفيون والمؤسسات الصحفيّة للتهديد او الإبتزاز من السلطات.

وعن الحق في الحياة والحرية والأمن واحترام سيادة القانون، قال مركز جنيف أن  قوات الأمن وميليشيات الأحزاب السياسية في الحكومة الحالية تهدّد باستمرار الحق في الحياة. ولاحظ عدم احترامها  للحرّيات الأساسيّة وأمن المواطنين، وإنتهاك سيادة القانون من قبل السلطات باستمرار.

وفيما يتعلق بالنظام التعليمي، شدّد مركزجنيف على ان الأمية ومعدلات التسرب من المؤسسات التعليمية قد تزايد بعد الغزو عام 2003.  وأعاد الى الأذهان أن معدلات المتعلمين في العراق كانت من بين الأفضل في المنطقة قبل الغزو، وأن النظام التعليمي كان كفوءاً جدا، لكنّه تأثّر كثيراً بالعقوبات الإقتصادية في التسعينات ثم تدهور بسبب ما تعرّض له من تدمير متعمد بعد الغزو عام 2003 ، وعدم وضع برنامج وطني للقضاء على الأمية رغم انها تشهد ارتفاعا ملحوظا منذ ذلك التأريخ.

وعبّر المركز عن قلق كبير فيما يتعلق بأنعدام الرعاية الصحية بعد ما تم تدمير النظام الصحي في العراق الذي كان واحداً من افضل الأنظمة في المنطقة وأكثرها تطوراً، واوضح ان ما يزيد من القلق أن اعداد الأطباء والمهنيين الصحيين قد تناقص بسبب الإغتيالات والتهجير، كذلك هنالك نقص خطير في المعدات الطبية.

ولاحظ مركز جنيف الدولي للعدالة اعتماد السلطات العراقية المتزايد على عقوبة الإعدام ضد المناوئين من خلال اللجوء الى تطبيق المادة (4) من القانون المسمّى قانون الإرهاب على طائفة واسعة من الأفعال التي تخصعها لعقوبة الإعدام. وفي العام 2012 تم الإعلان عن أكثر من 110 حالة إعدام، وقد حرم المحكوم عليهم بالإعدام من محاكمات عادلة أو / والتمثيل القانوني الفعّال، إذ من النادر أن تسمح السلطات لمحامي الدفاع بالمشاركة في جلسات المحاكمات. ويعبّر المركز عن الأسف من أن السلطات العراقية لا تنوي إلغاء عقوبة الإعدام أو وقف عمليات الإعدام في أقل تقدير. ومن الواضح أن إتساع نطاق الأفعال التي تخضع لعقوبة الإعدام قد أضحى أداة تستخدمها السلطة التنفيذية، بشخص رئيس الوزراء تحديدا، ضد المناوئين السياسيين.

ويشير مركز جنيف الى حالة الإفلات من العقاب في العراق بسبب أفتقارالسلطات إلى الإرادة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والإنتهاكات التي ترتكب وخاصة في مؤسسات حفظ النظام ومراكز الإحتجاز. ويعزي المركز ذلك الى إرتباط تلك الإنتهاكات بمسؤولين متنفذين في السلطة التنفيذية والى تفشي الفساد في معظم مفاصل الدولة.

أما عن معاملة المحتجزين وظروف أماكن الاحتجاز التي كانت من ضمن التوصيات المقدّمة من اجل معالجة الإنتهاكات، فقد أكد مركز جنيف الدولي للعدالة أن ما لديه من أدلّة تؤكد أن إساءة معاملة المعتقلين أضحى أمراً شائعاً ومقلقاً، بما في ذلك اللجوء الى أساليب قاسية جداً من التعذيب لانتزاع الاعترافات. مؤكدّا أن معظم الإعترافات التي تصدر طبقاً لها الأحكام القضائية في العراق اليوم، والتي قد تصل الى الإعدام، هي في معظمها إعترافات تؤخذ تحت التعذيب. وغالباً ما يعرض على المتهمين ـ بعد حفلات التعذيب ـ اوراق إعترافات جاهزة للتوقيع عليها تتضمن قيامهم بأفعال وجرائم لم تحدث.  ورأى المركز أن غياب نظام قضائي مستقل يسهم في تفاقم هذه الحالات ويزيد من تعقيداتها وإنعكاساتها السلبية. وأوضح أن غالبية المعتقلين محرومون من تمثيل قانوني. فعّال، كما ان معظمهم لم توجّه اليهم اي تهمة رغم إحتجازهم منذ سنوات. وليس هناك آليات لتسريع الإجراءات القضائية وضمان نزاهتها وكفاءتها مهنياً.

وبصدد المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان، وجد مركز جنيف أن السلطات العراقية ما زالت تهدّد المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا تحترم حرية تكوين الجمعيات، وتتعرض الجمعيات المستقلة ـ وغير تلك الموالية للسلطات ـ الى شتى انواع المضايقات، ويتعرّض الناشطين فيها للمخاطر الحادة، بما في ذلك التهديد بالقتل.

وفيما يتعلق بحقوق المرأة، يسجل  مركز جنيف الدولي للعدالة أنه لم يجد أي محاولة جادّة لتحسين معاملة النساء في العراق وظروفهن. ويظل التدهور المستمر هو السمة الغالبة  لوضع المرأة في العراق منذ 2003. النساء هنّ ضحايا مختلف أشكال العنف، بما في ذلك العنف الجنسي. ويسجّل مركزجنيف إزدياد حالات العنف الجنسي خلال السنوات الأخيرة بما في ذلك حالات الإغتصاب. ووجد في هذا السياق تعرّض عدد من النساء للإغتصاب في مراكز الإحتجاز الحكومي في ظل تراخي السلطات عن القيام بالإجراءات الرادعة لمحاسبة المرتكبين.  كما تقع الكثير من النساء ضحايا لحالات الاتجار بالبشر التي بدأت في العراق بعد عام 2003، اذ ليس هناك حماية قانونية للضحية ولا توجد اجراءات للحد من هذه الظاهرة الحديثة العهد في العراق.

وتناولت التوصيات المشردين داخليا، حيث حث المجتمع الدولي السلطات العراقية على تأمين الوسائل اللازمة لتلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية. وبعد سنتين من هذه التوصيات يجد مركز جنيف ان السلطات اخفقت في تأمين ابسط المستلزمات لتحسين احوال المشردّين داخلياً، مما يضعهم في حالة محفوفة بالمخاطر، لا سيما النساء والأطفال.

وفيما يتعلق بتأسيس المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان يؤكد مركز جنيف أن العمل على تشكيل هذه المفوضيّة قد بدأ منذ عام 2006 بمساعدة الأمم المتحدّة إلا انها لم تر النور إلا مؤخّراً لكنّها ولدت عاجزة عن العمل بما يضمن تشخيص انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، ووضع حد لها، ومحاسبة المنتهكين. والسبب لهذا العجز هو انه قد جرى تشكيل المفوضية من نفس الأطراف الفاعلة في السلطة والمتهمة بالإنتهاكات. وبخصوص التعاون مع آليات حقوق الإنسان يرى المركز أن السلطات العراقية تخفق دائما في ابداء اي تعاون، والعراق يكاد ان يكون البلد الوحيد الذي لم يوجّه دعوة مفتوحة لآليات حقوق الإنسان رغم حجم الإنتهاكات التي تجري فيه، وعلاوة على ذلك، قد استخدمت السلطات العراقية مختلف العقبات التي لتأخير أو منع زيارة المقرر الخاص المعني بالتعذيب المؤجلة منذ عام 2007.

ويخلص مركز جنيف الدولي للعدالة في تقييمه من أن حالة حقوق الإنسان في العراق تتردّى منذ عام 2003، وأن العراقيين قد حرموا من حقوقهم الإنسانية الأساسية، الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما حرموا من المستلزمات الأساسيّة للحياة المتمثّلة في إنعدام الخدمات الأساسيّة من الغذاء ومياه الشرب والرعاية الصحيّة والتعليم والكهرباء.  ويلاحظ المركز ان البنيّة التحتيّة للبلاد والتي دمّرت يعد غزو عام 2003 لا تزال على حالها اذ لم توضع خطط جدّية لإصلاحها رغم ما دخل لخزينة الدولة العراقية من مبالغ مالية هائلة جرّاء ارتفاع اسعار النفط تقدّر بـ 700 مليار دولار.

كما يخلص المركز أن العراق ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية للألفية(MDG) التي وضعتها الأمم المتحدّة  وليس لدى السلطات العراقية أي خطط رصينة فيما يتعلق بهذه الأهداف وبالتالي يصعب التكهن بحصول تطورات ايجابية على مختلف المستويات في العراق خلال المدى المنظور.

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة