جنيف في 3 آب/اغسطس 2017
عبّر مركز جنيف الدولي للعدالة (GICJ) عن بالغ استيائه من الزيارات الأخيرة التي قام بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدّة في العراق، رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق (UNAMI )، السيد يان كوبتيش، الى ثلاثة من قادة الميليشيا المتّهمين بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانيّة، معتبراً ان مثل هذا التصرّف يعرّض للخطر مصداقية بعثة الأمم المتحدة في العراق، بل مصداقيّة الأمم المتحدّة ككل.
فقد قام السيد كوبيتش في 27 تموز/ يوليو 2017 ، بزيارة إلى هادي العامري، وهو عضو بارز في ميليشيا الحشد الشعبي، كما انّه رئيس منظمة بدر المعروفة بارتكاب اعمال إرهابيّة خطيرة داخل وخارج العراق منذ عام 1980. وفي 31 تموز/ يوليو، قام بزيارة قيس الخزعلي، زعيم الميليشيا المعروفة باسم (عصائب أهل الحق) المتّهمة بارتكاب انتهاكات وجرائم فاقت بشاعة ما ارتكبه تنظيم داعش الإرهابي، وقام في 1آب/ أغسطس 2017 بزيارة لمتهمٍ آخر بارتكاب أعمالٍ ارهابيّة الا وهو جمال جعفر الغانمي، الملقب بــ(أبو مهدي المهندس). نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي. ووفقا للمعلومات التي قدّمتها بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق، فأن كوبيش (ناقش) مع الزعماء الثلاثة عمليّات "التحرير" والتطورات السياسية في العراق!
والمعروف، أن بعثة الأمم المتحدّة لتقديم المساعدة إلى العراق UNAMI، قد أُنشأت بقرارٍ من مجلس الأمن الدولي بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ونصّ في تشكيلها على عدّة صلاحيّات من بينها "تنسيق وتنفيذ البرامج الرامية لتحسين قدرات العراق في توفير الخدمات الأساسية لشعبه، ومواصلة التنسيق الفعّال بين الجهات المانحة لبرامج إعادة الإعمار والمساعدات الحيويّة من خلال مرفق الصندوق الدولي لإعادة إعمار العراق" و "تعزيز حماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني من أجل تعزيز سيادة القانون في العراق".
وبحسب ما يتسلّمه المركز من آراء، فان دور الأمم المتحدّة وبرامجها في العراق قدّ مُنيت بإخفاقاتٍ كبيرة على مختلف الأصعدة، وفشلت فشلاً ذريعاً في النهوض بايّ من مهامّها، فبرامج الإعمار لا تسير على ما يرام (ان كانت موجودة اصلاً)، بل ان الفساد التهم معظم المنح والمساعدات الدوليّة فضلاً عن تبديد واردات العراق النفطيّة بسرقات يُتّهم بها كلّ المسؤولين الحكوميين من اعلى المناصب الى ادناها. وممّا يؤسف له ان الأمم المتحدّة لم تقم بإجراءاتٍ عمليّة للحدّ من ذلك بل انها سايرته وغطّت عليه، في احيانٍ كثيرة.
كذلك لم يطرأ ايّ تحسن على الخدمات التي تأثّرت بغزو 2003، ولم تستطع الأمم المتحدّة حماية حقوق الإنسان للملايين من أبناء العراق، وفشلت تماماً في تطوير النظام القضائي، بل انّه واصل تدهوره باضطراد منذ 2003، وغاب عن العراق أي ملمحٍ لسيادة القانون بل سادت الفوضى وحكم الميليشيات والعصابات الاجراميّة. ومن هنا فان تكرار الاجتماعات بين الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وقادة الميليشيات يزيد من تقويض مصداقية بعثة الأمم المتحدة في العراق، بلّ يقوّض مصداقيّة الأمم المتحدة ككلّ.
والواقع أن الرجال الثلاثة، الذين زارهم ممثل الأمين العام، مؤخراً، هم مشاركون بصورة اساسيّة في الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الميليشيات في العراق، ويتحمّلون المسؤولية الشخصية عنها وبالتشجيع على ارتكابها. ومن المعروف استخدامهم أكثر الأساليب المروّعة من أجل إثارة العنف الطائفي في العراق. كما انّهم معروفون بجرائمهم ضدّ قطّاعات واسعة من الشعب العراقي. بل ان أبو مهدي المهندس هو من المدرجين على قوائم الإرهاب الدولي من قبل الحكومة الأمريكية.
وكما أبرز مركز جنيف الدولي للعدالة، مراراً وتكراراً، في جميع نداءاته ورسائله إلى المفوّض السامي لحقوق الانسان واجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة، فإن الميليشيات العاملة في العراق، تمثل - ولا تزال - تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار في البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يدركان الجرائم البشعة والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها هذه الميليشيات ضدّ السكان المدنيين، ولا سيما خلال ما يسمّى "حملات التحرير".
وفي جميع عملياتها، ارتكبت ميليشيات الحشد الشعبي (التي يقودها الأشخاص الثلاث المذكورين أعلاه) انتهاكاتٍ وحشيةٍ وعنيفة، تستهدف بشكل عشوائي المناطق المدنية المأهولة، وارتكبت جرائم مروعة، بما في ذلك التهجير القسري لمئات الالاف من العوائل، الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والترهيب، والإعدام خارج القضاء، فضلاً عن التعذيب الوحشي والإساءات اللفظيّة ضدّ مكوّنات معيّنة وسكّان مدنٍ بأكملها. وكما أدان مركز جنيف الدولي للعدالة مرّاتٍ عديدة، فإن الانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي تُرتكب ضدّ السكّان المدنيين العاجزين أثناء هذه العمليات العسكرية تكشف بوضوح الطابع الطائفي لهذه الحملات. وهناك علامات لا لبس فيها على ان دخول الميليشيات لأي مكان معناه التدمير والسرقات وعدم الرحمة بمن تجده من السكّان، وهو ما جرى في جميع المدن "المحررة"، مثل جرف الصخر وامرلي وتكريت والدور والرمادي والفلوجة والموصل.
وفي ضوء الجرائم البشعة والانتهاكات المتكرّرة، واسعة النطاق، للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ترتكبها، فأنه امرٌ مثير للاشمئزاز ان يلتقى ممثّل خاص للأمين العام للأمم المتحدّة مع قادة ميليشيات - جميعهم متّهمون بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانية – ويناقش معهم الوضع السياسي في البلاد!. ومثل هذا الامر يثير ايضاً تساؤلات خطيرة اذ ان هؤلاء "القادة"، بالإضافة إلى الجرائم المُرتكبة، ينخرطون في خطاب كراهيةٍ مقيت تجاه المكوّنات الاجتماعيّة والدينية وغيرها من الأقليات في العراق. وهذا الخطاب له آثارٌ ضارّة ومدمّرة على السلم المجتمعي في العراق ككل، وبالتالي فلا يتوقع ان تكون للقاء ايّة نتائج ايجابيّة تؤدّي الى مستقبلٍ أفضل للعراق، ممّا يثير التساؤلات عن هدف بعثة الأمم المتحدّة من الالتقاء بمثل هؤلاء مخالفةً بذلك ولايتها وميثاقها؟
وختاماً، يرى مركز جنيف الدولي للعدالة انه ما كان ينبغي على أجهزة الأمم المتحدّة أن تقوم به هو العمل الجادّ لإنشاء آليّاتٍ دولية مستقلّة للرصد ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وان تعمل على تشكيل محكمة جنائيّة خاصّة بالعراق لضمان العدالة لملايين العراقيين ضحايا جرائم الميليشيات والإرهاب وتعويضهم عمّا اصابهم من أضرارٍ.
***