العراق: شلال دماء جديد مُرتقب في تلعفر
مركز جنيف الدولي للعدالة يوجّه نداءً عاجلاً لمنع ميليشيات الحشد الشعبي من ارتكاب مجزرة جديدة في المدينة
جنيف في الأول من نوفمبر 2016
اعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن قلقه البالغ إزاء الهجوم الوشيك المتوقع على مدينة تلعفر، شمال العراق، من قبل ميليشيات الحشد الشعبي، كجزء من العملية التي تشنها الحكومة العراقية بهدف "تحرير" مدينة الموصل من قبضة داعش. وطالب المركز في نداء موجّه الى هيئات الأمم المتحدة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع هذه الميليشيات الطائفية من ارتكاب مجازر جديدة. واكدّ ضرورة تبني كل الاجراءات اللازمة من أجل الضغط على الحكومة العراقية لمنع مشاركة الميليشيات ضمن قوات الأمن العراقية بهدف حظرها في نهاية الأمر والى الأبد.
وتتكون التركيبة السكانية في تلعفر من حوالي 80% من المسلمين السنة، أغلبهم من التركمان. وهذا يعني أن خطر ارتكاب الميليشيات لسلسلة جديدة من انتهاكات حقوق الإنسان يلّوح في الأفق. في الواقع، فإن ميليشيات الحشد الشعبي، المسلحّة والمدرّبة والمدعومة بشكل كبير من إيران، تهدف الى تحقيق تغيير ديمغرافي في المدينة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية الكبيرة للدولة المجاورة وذلك لموقعها الجغرافي، حيث أن السيطرة عليها سيفتح طريق مباشر لإيران من خلال العراق وسوريا وإلى البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من وعود رئيس الوزراء العراقي العبادّي بأن الميليشيات الطائفية لن تشارك في معركة الموصل، فإن العديد من التقارير قد كشفت أن هذه الميليشيات، في الحقيقة، قد بدأت في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد سكّان القرى المحيطة في المدينة، وستكون تلعفر التالية في أجندتها. وقد تم تأكيد ذلك من قبل المتحدث باسم الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، والذي صرّح أن رئيس الوزراء العبادّي كان قد أصدر أوامر للميليشيات لاقتحام المدينة.
واليوم، تؤكد مصادرنا على الأرض بأن ما يقارب 7000 عنصر من الميليشيات تم حشدها لاقتحام المدينة في أي وقت، بدءاً من القرى المحيطة والتي قد تم مهاجمتها.
بكلمة آخرى، يبدو أنه لا محالة من هجوم طائفي آخر، حيث أننا قد تلقينّا أدلّة موثقة تظهر قادة الحشد الشعبي وهم يوجهّون التهديدات إلى كل سكان المنطقة، باعتبارهم أعداء تاريخيون.
وفي هذا السياق، يشعر مركز جنيف ببالغ الآسى تجاه مصير المدنيين العالقيّن في المدينة والقرى المجاورة لها.
خلفية: بداية الطائفية في تلعفر
كانت تلعفر ذات الـ 425 ألف مواطن، أول مدينة في العراق تأثراً بالطائفية. ففي الفترة ما بين 2005 و2006، وفي ظل رئيس الوزراء السابق الجعفري سيطرت مجموعة طائفية على المدينة. واتخذ الممثلون الذين تم تعيينهم من قبل الحكومة المركزية سياسيات طائفية قاسية وبدأوا بترهيب السكان السنّة، وتعريضهم لممارسات أكثر وحشية، مثل: التعذيب، والقتل خارج إطار القانون، وتدمير منازلهم ومزارعهم الخاصة وغير ذلك من الإجراءات.
بعد 2014، وعندما سيطرت داعش على المدينة، نزح بشكل قسري معظم سكان المدينة، وبقي فيها حوالي 50 ألف مواطن من السنّة فقط الذين ظلّوا عالقين داخل المدينة إلى الآن. وفي هذا السياق، فإن دخول الحشد الشعبي سيجدّد العنف ضد السكان الباقين، والذين، هم بالأصل، متخوفون من الهجمات الانتقامية التي قد تشنها الميليشيات.
هذا على الرغم من حقيقة أن رئيس الوزراء العبادي سيحاول شرعنة مشاركة الميليشيات في العملية من خلال الادعاء بأنها رغبة سكان تلعفر. فقد كشف مصدر خاص لمركز جنيف على الأرض بأن رئيس الوزراء ينوي عقد اجتماع في الثاني من نوفمبر 2016 مع ممثليّن مزعومين للمدينة، والذين على الأغلب سيطالبون بشكل رسمي تدخل الحشد الشعبي في المدينة.
الحشد الشعبي: سجل طويل من الانتهاكات
إن هذا القلق من موجة عنف طائفية جديدة لم يأت من فراغ. ففي هذا السياق، يود مركز جنيف الدولي للعدالة التذكير بالقائمة الطويلة من الجرائم المرتكبة على يد جماعة الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً في المدن العراقية التي زعمت أنها قد حررتها من المجموعات الإرهابية، مثل الرمادي، آمرلي، تيكريت، ومؤخراً، الفلوجة. إن هذه الميليشيات الموالية للحكومة كانت مسؤولة عن أفظع انتهاكات حقوق الإنسان والتي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. على وجه التحديد، فقد تلقى مركز جنيف والمنظمات الدولية غير الحكومية الأخرى، ومنظمات الأمم المتحدة، عدداً لا يحصى من التقارير التي تتضمن قضايا ممارسة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، و الإعدامات الموجزة، و القتل الجماعي، والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية ضد المدنيين، لاسيما ضد العنصر السنّي من المجتمع العراقي. إن هناك مئات المصنفيّن كمختفين في العراق من دون أن تتمكن عائلاتهم من الحصول على أدنى معلومة عن أماكن تواجدهم ولو لمرة واحدة. هذا على سبيل المثال هو حال 643 شخص مفقود من الصقلاوية منذ يونيو 2016 عقب هجمات الميليشيات على الفلوجة، وقد ناشد مركز جنيف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ومكتبه عدة مرات حول مصيرهم.
هذا بالإضافة إلى أنه، في كل مدينة "محرّرة" تقوم الميليشيات بالنهب والحرق والتدمير للمباني الخاصة والعامة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، ما يمثّل استراتيجيتها الواضحة لإجبار السكان على النزوح عن بيوتهم ومنع عودتهم مرة أخرى. إن مثل هذه السياسات من التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي لا يمكن توقع انتهائها بين عشيّة وضحاها، وبالأخص في ظل نظامٍ قضائي منحاز والذي لطالما أعطى الحصانة لمرتكبي هذه الجرائم المروعة. ومع تواطؤ الحكومة العراقية، التي أكدت في مرات عدة، وبشكل علني، عن دعمها لهذه الجماعات، وبالتي إضفاء شرعية اخرى على أفعالها، أصبحت الميليشيات حرّة في التصرّف بشكل غير قانوني وتدمير ما تبقى من الدولة الممزقة أصلاً بفعل سنوات من الحرب والإرهاب.
في هذا الإطار، حذر مركز جنيف بشكل متكرر من نتائج انخراط الميليشيات في الجيش العراقي والتي لن يكون هناك رجعة فيها، وعلى وجه الخصوص بعد ضمّ الحشد الشعبي بشكل رسمي إلى قوات الجيش العراقي كتشكيل عسكري مستقل في فبراير 2016. وقد ناشدت منظمتنا عدة مرات هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، مثل: مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، والمقرّرين الخاصّين، لعمل كل ما يقع ضمن مسؤولياتها من أجل الضغط على الحكومة العراقية لمنع هذه الجماعات من المشاركة في أية عملية عسكرية، حيث يمكن اعتبار هذا خطوة مبدئية مهمة نحو الحظر النهائي لهذه الميليشيات من أرض العراق وإلى الأبد.
في ضوء ما تقدّم يطالب مركز جنيف الدولي للعدالة:
بعد الأخذ بعين الاعتبار التاريخ الطويل من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة على يد الحشد الشعبي، يعتقد مركز جنيف الدولي للعدالة أن منع هذه الميليشيات من دخول مدينة تلعفر لهو آمر بالغ الأهمية من أجل تجنب شلال دماء آخر جديد.
ولهذا، يودّ مركز جنيف تلخيص نداءاته العاجلة للمجتمع الدولي، وبالأخص إلى كل هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، فيما يلي:
- الضغط على الحكومة العراقية لمنع الميليشيات من التقدّم أكثر إلى داخل مدينة تلعفر.
- الضغط على الحكومة العراقية لضمان توفير ممرات آمنة للمدنيين لتمكينهم من الوصول إلى مناطق أكثر آمناً.
- تبني كل الاجراءات اللازمة من أجل الضغط على الحكومة العراقية لمنع مشاركة الميليشيات ضمن قوات الأمن العراقية بهدف حظرها في نهاية الأمر.
- دعوة الحكومة العراقية وكل أطراف النزاع القائم في الموصل للوقوف عند مسؤولياتهم وفق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
- دعوة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة على يد الميليشيات الموالية للحكومة وأطراف النزاع الأخرى في العراق.
الرابط للمقال باللغة الانكليزية - Iraq: Tal-Afar, The Next Foreseen Bloodshed
مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق
أين اختفوا؟ - الصقلاوية، العراق: نداء عاجل حول مصير 643 مفقودا - تشرين الأول / اكتوبر 2016
مركز جنيف الدولي للعدالة يحذّر من كارثة إنسانية جديدة في العراق - تشرين الأول / اكتوبر 2016
العراق: تنفيذ 36 حكماً بالإعدام دفعة واحدة بتاريخ 21 أغسطس 2016
انخراط الميليشيات مع قوات الجيش النظامي في العراق: الطريق إلى الفوضى - اب / اغسطس 2016
الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة - تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة - مايس/مايو 2016
مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016
العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015
مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015
داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015
تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014
مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014
متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014
حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013
السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012