عقد مركز جنيف الدولي للعدالة، بتاريخ 15 سبتمبر/ايلول 2016، وبالتعاون مع المنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى، ندوة ضمن الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تحت عنوان " الوجه الآخر للإرهاب ".
وناقشت الندوة الجرائم التي ترتكبها الميليشيات في العراق من تعذيب واعدامات وتدمير وتهجير قسري تحت غطاء مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن الصلة الوثيقة التي تربط هذه المليشيات بالقوى الإقليمية، والتي تنّم عن تقاعس الدول في حماية المدنيين وضمان السلام والاستقرار لمواطنيها. وفي هذا الصدد، فقد أشار المتحدثون في الندوة الى أهمية التأكيد على أن الإرهاب لا يمكن حصره في مجموعة معينة أو سلوك واحد محدد، لأن ذلك من شأنه إضفاء الشرعية على أشكال أخرى من الإرهاب، بما في ذلك الجماعات التي ترتكب جرائم بنفس بشاعة جرائم المنظمات الإرهابية المصنفة رسمياً.
فعندما نتحدث عن "الإرهاب"، من المؤكد أننا نربط الأمر على الفور بجماعات إرهابية معروفة على غرار تنظيم القاعدة وما يعرف حديثاً باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، الذي يتصدر يوميا عناوين الصحف ونشرات أخبار مختلف القنوات التلفزيونية، وفي حين أنه ما من شك أن هذه الجماعات الإرهابية ترتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية، ما يجعلها تستقطب أكبر قدر من التغطية الإعلامية، الإ أنه يوجد العديد من الفصائل الإرهابية الأخرى التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية، والتي لا يتم التستر على جرائمها فحسب بل لا يتم تصنيفها حتى كأعمال إرهابية. هذه الفصائل هي عبارة عن مئات الميليشيات الموالية للحكومة، التي أثبتت تورطها في ارتكاب جرائم ترتقي الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية على أساس طائفي بحت، وتشمل هذه الجرائم حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإعدام بدون محاكمة والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة المهينة ناهيك عن التطهير العرقي.
قدّم السيد جيان فرانكو فتوريني، مستشار في مجال حقوق الإنسان والمشرف على إدارة هذه الندوة، عرضاً موجزاً عن موضوع الندوة إلى الحضور، كما قام بتقديم المحاضران في الندوة وهما:
• السيد ستروان ستيفنسون: عضو سابق في البرلمان الأوروبي،
• السيد صباح المختار: رئيس جمعية المحامين العرب في المملكة المتحدة البريطانية.
بدأ السيد ستروان ستيفنسون، مداخلته بتوضيح أن جميع الميليشيات الشيعية في المنطقة (وخصوصاً في العراق وسوريا واليمن ولبنان) لها عامل مشترك وهو: أن جميعها ممولة من قبل النظام الإيراني. مشيراً الى أن جرائمهم لا تقل وحشية عن وحشية داعش وأن العنف والفظائع التي ترتكبها هذه المليشيات كلها تتم بداوافع طائفية. ولعل أكبر مثال على ذلك هو الحملة العسكرية التي شُنت ضد مدينة الفلوجة (العراق) في مايو 2016، والتي أطلقت تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش. لكن في الواقع فإن هذه العمليات العسكرية التي دكّت المدينة إلى الأرض وتسببت في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين كانت قد تمت بمشورة عسكرية إيرانية. وأوضح السيد ستيفنسون بأن وزارة الخارجية العراقية نفسها، صرحت علناً تعاونها مع قاسم السليماني، قائد فيلق القدس الإيراني. كما وأكد المفوض السامي على الجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيات في عدة مناسبات.
من جهة أخرى وفي معرض حديثه أوضح السيد ستيفنسون بأن الفلوجة ليست حالة معزولة في العراق وبأن العديد من المناطق قد شهدت نفس السيناريو. وتعد الرمادي مثالاً واضحاً آخر حيث جعلت منها الحكومة ساحة للترويج للسياسات الطائفية العنيفة التي تمزق العراق. فقد تحولت المدينة الى خراب وركام، في حين أن الذكور يقاربون على الاختفاء من التعداد السكاني. وسوف يأتي الدور قريباً على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. وفي حال ما إذا تعرضت الموصل الى نفس المصير، سيتبقى هناك فقط أمل ضئيل بأن تشفى العراق مما هي عليه.
وأوضح المتحدث أيضاً أن نشاة الميليشيات والمجاميع المسلحة في العراق جاءت نتيجة لسياسات وقرارات إدارة الولايات المتحدة إثر غزوها للبلاد عام 2003. فعندما عُيّن الأمريكي بول بريمر رئيساً لسلطات التحالف المؤقتة ، كان من الواضح أنه لا مفر من الكارثة. لقد عمل بريمر على حل القوات المسلحة وقوات الأمن العراقية، وفي المقابل أنشأ جهاز أمن "جديد" يتألف في معظمه من أفراد الميليشيات. وفي وقت لاحق، استمدت هذه الميليشيات قوتها وتطورت بفعل سياسات الابادة الجماعية التي انتهجها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقد ساهم هذا المناخ من عدم الاستقرار في فتح المجال أمام المنظمة الارهابية داعش للتوغل داخل العراق عام 2014، كما أكد السيد ستيفنسون.
وختم المتحدث مداخلته بالتأكيد بأنه من غير الممكن أن يستمر المجتمع الدولي في صمته إزاء الفظائع التي ترتكبتها الميليشيات. بل إن هناك حاجة ماساة لتحرك حقيقي وإعادة إصلاح البلاد. وأشار هنا إلى ضرورة إعادة إشراك الأقلية السنية وإصلاح النظام والقضاء على الفساد.
وبعد اختتام مداخلته شكر السيد فتوريني السيد ستيفنسون على ملاحظاته البناءة، ثم قّدم المتحدث الثاني في الندوة: السيد صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب - المملكة المتحدة
أكد السيد المختار من جهته على أن موقف المجتمع الدولي حيال ما يحدث في العراق هو أساس ما آل إليه الحال في العراق. وفي هذا الصدد، ذكّر السيد المختار بأحداث حرب الخليج الأولى وكيف أن التدخل العسكري للغرب والاستخدام المفرط وغير المتكافئ للقوة، أدى إلى التدمير الكامل للدولة. كما عرّف السيد المختار ما حدث في العراق على يد ما يسمى "تحالف الإرادة" على أنه شكل من أشكال الإبادة الجماعية. شكلت كل هذه العوامل، وفقاً للمتحدث، أساس نشأة وانتشار وحدات الميليشيات الطائفية التي تقوم اليوم بارتكاب أفظع الجرائم. ومع ذلك فإن جلّ اهتمام المجتمع الدولي يتركز على داعش، على الرغم من أن ما ورد في تقارير الأمم المتحدة يؤكد بوضوح الانتهاكات التي ارتكبت على أيدي هذه الميليشيات المسلحة. وفي هذا السياق، ندد السيد المختار بهذا النهج الانتقائي من جانب المجتمع الدولي في مثل هذه القضايا.
بعد ذلك وضّح المتحدث بأن هناك أدوات لمعالجة الوضع في العراق، وفي بلدان أخرى في المنطقة. وذكرعلى سبيل المثال، ضرورة تحرك المجتمع الدولي من أجل وقف التعامل الفوري مع الدول الداعمة لهذه المجموعات الإرهابية. وفي هذا المجال، لابد من الضغط على إيران كي توقف أي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الآخرى، والتي تقوم به من خلال تمويل وتسليح وتدريب الميليشيات. كما ذكر السيد المختار بأن للأمم المتحدة دور محوري في الضغط على الدولة من أجل الوقوف عند مسؤولياتها، حيث أنه خلافاً لداعش، فإن السلطات العراقية لديها دراية بكافة هويات أفراد الميليشيات مما يسهل عليها اتخاذ اجراءات المساءلة ضدهم.
واختتم السيد المختار مداخلته بالتذكير بأن ما يعرف بـ "حملات التحرير" في العراق ما هي الاّ كذبة: لا يوجد هناك أراضي "محررة" من قبل الميليشيات الموالية للحكومة، بل إن كل ما يحدث هو تحويل المدن الى خراب.
وفي ختام الندوة، رحب الحضور بكل ما جاء في تصريحات المتحدثين وطرحوا بعض الأسئلة فيما يتعلق بالتدخل الغربي في منطقة الشرق الأوسط وسبل معالجة عواقبه الوخيمة. وعلاوة على ذلك، أثير استفسار بخصوص مسألة تدمير المواقع الثقافية من قبل الميليشيات ومسؤولية الأمم المتحدة، وخاصة اليونسكو، في حمايتها والمحافظة عليها.
وخلص المتحدثون، إلى جانب تقديرهم للندوة، إلى التأكيد على أن ما نشهده اليوم هو نتاج السياسات الخاطئة للغرب. لقد أثرت هذه السياسات بشكل كبير في المنطقة، وشجعت على نشأة ونمو داعش وأثارت موجات الهجرة الحالية. ولذلك ينبغي على هذه الدول الآن التعامل مع هذه القضايا ومحاولة تصحيح أخطائها.
المتحدثون
السيد ستروان ستيفنسون: عضو سابق في البرلمان الأوروبي
السيد ستيفنسون معروف في أوروبا بمعرفته العميقة بالشؤون الدولية. وشغل في السابق منصب رئيس في عدة لجان في البرلمان الأوربي، منها اللجان المكلفة بقضايا تغير المناخ والتنوع البيولوجي والتنمية المستدامة، كما كان رئيس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع العراق ورئيس جمعية أصدقاء إيران حرة.
السيد صباح المختار: رئيس جمعية المحامين العرب - المملكة المتحدة
كمحام، ومدافع عن حقوق الإنسان، يُعرف السيد المختار بموقفه الصريح ضد أنشطة الجماعات الإرهابية، وحذر في العديد من المؤتمرات من خطر صعود الميليشيات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها. وقد حلل أيضا في عدة منابر دور إيران في إنشاء ودعم هذه الجماعات ومن ثمّ استخدامها كأداة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة لها.
السيد جيانفرانكو فتوريني: مدير الندوة ومستشار في حقوق الإنسان
عمل السيد فتوريني كمدافع عن حقوق الإنسان في إطار آلية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لأكثر من 20 عاماً. من بين الأنشطة التي قام بها، عمل منسقاً للرابطة بين سويسرا وبورما، و كرئيس مؤسسة التعبير الجمعوي بجنيف ورئيس مشارك في الحركة الفرنسية لـ "مناهضة العنصرية والعمل من أجل توطيد الصداقة بين الشعوب".
التسجيل الكامل للندوة:
مشاركة مركز جنيف الدولي للعدالة في مجلس حقوق الانسانندوات نظمها المركز بالتعاون مع منظمات اخرى |
||
الدورة 34 لمجلس حقوق الانسان ندوة - المستوطنات الإسرائيلية والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل |
||
الدورة 33 لمجلس حقوق الانسان |
||
الدورة 31 لمجلس حقوق الانسان ندوة عن حالة حقوق الانسان في العراق |
||
الدورة 28 لمجلس حقوق الانسان ندوة عن حالة حقوق الإنسان في العراق بمناسبة صدور تقرير المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان |
||
الدورة 26 لمجلس حقوق الانسان ندوة عن حالة حقوق الانسان في فلسطين: التطلّع الى العدالة وحقوق الإنسان الأساسية |
||
الدورة 24 لمجلس حقوق الانسان |
||
الدورة 23 لمجلس حقوق الانسان |
||
الدورة 22 لمجلس حقوق الانسان |
||
|