جنيف 4 حزيران 2023
طالب مركز جنيف الدولي للعدالة الجهات الدولية المختصة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتحقيق في جرائم الاختفاء القسري في العراق من أجل معرفة أماكن الأشخاص المختفين ومحاسبة الجناة وتحقيق العدالة للضحايا من العوائل الذين ينتظرون ذلك منذ سبع سنواتٍ. جاء ذلك في بيانٍ صدر في جنيف بمناسبة مرور سبع سنواتٍ على واحدةٍ من أبشع جرائم الإخفاء القسري في العالم، وهي التي حصلت في مدينة الصقلاوية ضمن قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار/العراق، حيث جرى إخفاء ما يقرب من 1000 شخص في يوم واحد في الفترة ما بين 2 و 5 حزيران 2016.
ويؤكد المركز في بيانه أنّه بينما كانت القوات العراقية والتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة تقوم بعملياتٍ عسكرية مكثفة ضدّ مدينة الفلوجة والمناطق المجاورة لها، ضمن ما سمّي عمليات التحرير من سيطرة داعش، وقعت فظائع كثيرة، كان الكثير منها نتيجةً مباشرة وغير مباشرة للقصف المدفعي والغارات الجويّة التي كانت لا تميّز بين المدنيين وغيرهم. في هذه الأثناء حاول أكثر من 3000 مدني، من الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، الفرار إلى مكانٍ آمن فقصدوا أقرب نقطةٍ عسكرية، لكنّهم فوجئوا بأنّها تعود للميليشيات.
ويروي شهود عيانٍ أن عناصر الميليشيات إستقبلتهم بالشتائم والعبارات الطائفية، ثم عزلت النساء والأطفال عن الرجال والشباب حتى سنّ العاشرة، وإقتادتهم إلى معسكرٍ قريب. وفوراً بدى أنّهم سيواجهون ظروفاً مروعة، حيث راح أفراد الميليشيات يتلذّذون بإطلاق النار عليهم فقُتل في الحال اعدادٌ ليست بالقليلة، في حيان كانت سيارات النقل الكبيرة تنقل آخرين إلى أماكن مجهولة فأتمتّ نقل أكثر من 1000 شخص.
وفي إنتظار وصول وسائطِ نقلٍ أخرى، أقتيد من تبقى إلى أماكن إحتجازٍ مؤقتة في بناياتٍ مهجورة، لاحظوا في داخلها آثار دماءٍ، وهناك تعرّضوا لضروبٍ بشعة من التعذيب. يروي الشهود أنّهم حُشروا في غرفٍ صغيرة ومساحاتٍ قليلة الهواء وحُرموا من الطعام والماء، لكنّ ظروفاً لا يعلمون كيف تراكمت، ربّما كان منها تدخل السلطات المحلّية، ادّت إلى تركهم والسماح لهم بالذهاب إلى مكانٍ آخر، هو مدينة العامرية، الواقعة عبر نهر الفرات قرب مدينة الفلوجة. وقدّ وثّق مركز جنيف الدولي للعدالة كيف وصل الناجون مع النساء إلى العامرية وهم في أسوء حال، وبدت على الرجال آثار تعذيبٍ وإرهاقٍ واضحين إما من خلال كسور في الأطراف أو حروق شديدة.
كان هؤلاء بحدود 650 شخصاً، وهم يعتبرون إنفسهم من المحظوظين إذ إختفى أولئك الذين كانوا معهم، ولم يعدّ أحد يعرف مصيرهم. ورغم التوثيق الواضح لحالة الإخفاء هذه، من قبل المنظمّات غير الحكومية، والسلطات المحلّية، وأجهزة الأمم المتحدّة، بل حتّى من الميليشيات التي إعتقلتهم، إلاّ أنّ الحكومة المركزية لم تتخذ أيّ إجراءٍ لإطلاق سراحهم، وتُركت القضية لتصبح ضمن حملات المزاد السياسي بين من يطلقون على أنفسهم سياسيين، في حين تستمرّ معاناة العوائل، وغالبتهم من النساء، في البحث دون جدوى عن مصير أبنائهم، وبنفس الوقت يتعيّن عليها أن تبحث عما تسدّ به رمق نساء وأطفال أبنائهن الذين لم يبقَ لهم من يتحمّل مسؤولية إعالتهم.
في نفس الفترة، تلقى مركز جنيف الدولي للعدالة معلومات موثقة عن إختطاف بحدود 300 شخص في مكانٍ قريب من الصقلاوية وهو قرية الزركَة، التي تقع بين مدينتي الصقلاوية والفلوجة على ضفة نهر الفرات، حيث أعدمت الميليشيات حوالي 150 شخصًا منهم على الفور، كان من بينهم عائلة كاملة مكونة من 35 فرداً، وإقتادت الباقين الى أماكن مجهولة، وبقي مصير هؤلاء، كمصير غيرهم من المختفين قسرياً، مجهولاً لحد الآن.
ولا تمثّل المذكورة أعلاه سوى حالتين من جرائم الإختفاء القسري في العراق، فهنالك آلاف الحالات التي حصلت في مناطق أخرى، ومنها في سامراء والدور وتكريت وديالى وجرف الصخر والرزّازة وجسر بزيبز والموصل وكركوك.
ولم تكتفٍ الجهات الخاطفة بإرتكاب هذه الجريمة، بل غالباً ماكانت تقوم بتجريف القرى وحرق مساكن الأشخاص الذي يجري إختطافهم ومن ثم إخفائهم وتهجير عوائلهم إلى خارج المحافظات التي يعيشون بها. وبحسب المعلومات التي تؤكدّها جهاتٌ كثيرة في العراق، بينها على إرتباط وثيق بالسطات الحكومية، فأن ميليشيات بدر، عصائب أهل الحقّ، كتائب حزب الله، حركة النجباء وميليشيا رساليون هي من أكثر الجهات المتهمّة بجرائم الإخفاء القسري في العراق.
وتقدّر جهاتٍ دولية أن عدد المختفين في العراق قد يصل إلى مليون شخص، تتحمّل المسؤولية عنه قوّات الإحتلال والحكومات المتعاقبة. ولا يشمل ذلك أولئك المختفون على يد داعش حيث يتولى المسؤولية عنها فريق من الأمم المتحدّة يرتبط بمجلس الأمن الدولين ويعمل مشتركاً مع السلطات الحكومية العراقية.
وتقع المسؤولية القانونية حسب إتفاقية الأمم المتحدّة لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري، وطبقاً للتوصيات التي أصدرتها اللجنة، على الحكومة العراقية في تتبع أماكن الإخفاء، والكشف عن مصير المختفين، وإطلاق سراح الأحياء منهم، والتدقيق في جثث المتوفين من أجل التعرّف عليهم بمشاركة عوائل الضحايا والمجتمع المدني والمفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق.
ففي تقريرها الأخير (نيسان 2023) طالبت لجنة الأمم المتحدّة المعنية بحالات الإختفاء القسري، السلطات العراقية إتخاذ جملة من الإجراءات القانونية الواضحة والملموسة لمعرفة مصير كلّ المختفين قسرياً، ومحاسبة الجناة بعقوباتٍ تتناسب وحجم ما اقترفوه بحقّ عشرات الآلاف من الأبرياء. واكدّت اللجنة الأممية على ضرورة أن لا تشترك الجهات المُتهمة بالإخفاء القسري ـ وهي ميليشيات الحشد الشعبي ـ بأيّ من الإجراءات الرامية للتقصّي والتحقيق في هذه الجرائم.
وعلى الرغم من حالة الإنكار، والتشويه التي تمارسها السلطات إلاّ أن جرائم الإختفاء القسري في العراق أضحت محطّ إهتمامٍ دولي، لما تمثله من تحدٍّ للمجتمع الدولي ككل بإعتبارها جرائم ضدّ الإنسانيّة. ولذلك لم يعدّ أمام هذه السلطات سوى أن تنفذ إلتزاماتها القانونية الدولية، وأن تتعاون مع عوائل الضحايا ومنظمّات المجتمع المدني من أجل كشف مصير المختفين قسرياً ووضع حدّ لمعاناة مستمرّة منذ سبع سنواتٍ أو أكثر.
اضغط على الصورة للتقرير الكامل:
نصّ البيان باللغة اإلنكليزية: