إحدى عشر عاما من المأساة الإنسانية في سوريا
الدورة الخمسون لمجلس حقوق الإنسان
13 حزيران - 8 تموز 2022
البند 4- الحوار التفاعلي بشأن التحديث الشفوي للجنة التحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية
29 حزيران 2022
بقلم سارة طيارة / مركز جنيف الدولي للعدالة
ملخص تنفيذي
بتاريخ 29 حزيران 2022، في الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان، عقد المجلس حواراً تفاعلياً مع لجنة التحقيق بشأن سوريا حيث قدّمت تحديثاً شفهياً عن حالة حقوق الإنسان في سوريا.
بعد أكثر من عشر سنوات من الصراع، يعيش الشعب السوري مأساة إنسانية، ومع بلوغ الاحتياجات الإنسانية ذروتها، تفاقم العنف وانعدم الأمن الغذائي، بالإضافة إلى النقاش الدائر في مجلس الأمن بشأن إغلاق المعبر الحدودي الإنساني الأخير المتبقي في سوريا، أصبح السوريون يحدَقون في هاوية ألم ومعاناة لا يمكن تصورها.
منذ آذار 2011 نزح أكثر من 12 مليون شخص من أماكن سكنهم، وقُتل ما لا يقل عن 400 ألف شخص. يعتمد 14.6 مليون سوري على المساعدات الإنسانية، ويوجد حوالي 150 ألف شخص تم اعتقالهم بشكل تعسفي أو اختفائهم قسريا ، وأيضا يعيش 90٪ من الشعب السوري تحت خط الفقر.
ناقش رئيس اللجنة السيد باولو سيرجيو بينيرو المستويات المتزايدة من الإعتقالات التعسفية والإختفاء القسري ومرسوم بشار الأسد بالعفو التشريعي رقم 7 الذي منح عفواً عاماً عن جرائم "الإرهاب" غير المميتة التي أُرتكبت قبل 30 نيسان 2022. علاوةً على ذلك، دعا السيد بينهيرو حكومة الأسد إلى تمديد العفو ليشمل السجناء المدنيين والسياسيين.
رفض المندوب السوري تفويض اللجنة وتقريرها، وأصرّعلى أنها منصة تهدف إلى فضح الحكومة السورية وتشويهها بإدّعاءات لا أساس لها، وأكد أنّ تقرير اللجنة يتضمن اتهامات مسبقة، تُرّوج لأجندة مسيّسة ضدّ سوريا تستهدف تقويض سلامتها الإقيلمية. ووافق مندوبا إيران وروسيا على بيان سوريا، وانتقدا ما أسماه بتعدّي اللجنة على سيادة سوريا. لكنَ وفوداً أخرى أدانت بشدّة الإنتهاكات المستمرّة التي ترتكبها السلطات السورية والجهات الفاعلة الأخرى في النزاع ضدّ المدنيين.
يُرحب مركز جنيف الدولي للعدالة بنتائج اللجنة ويدين الإنتهاكات والمآسي التي عانى منها الشعب السوري منذ فترة طويلة، وبين ذلك من خلال البيانات المشتركة الشفهية التي تم إلقاؤها من قبل المتحدثتين سارة طيارة وأمل بشارة نيابة عن مركز جنيف الدولي للعدالة ومركز ميزان لحقوق الإنسان ومؤسسة معونة لحقوق الإنسان والهجرة. حيث دعت المتحدّثة سارة إلى الإفراج الفوري عن جميع المدنيين المحتجزين تعسفياً، وسلّطت الضوء على معاناة لاجئ سوري التقت به عند سفرها إلى مخيّمات اللاجئين السوريين في لبنان، بينما شدّدت أمل على كيفية تجريد ضحايا الإختفاء القسري فعلياً من جميع حقوقهم، بما في ذلك الحقّ في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة.
ينضمّ مركز جنيف الدولي للعدالة إلى اللجنة في دعوة الحكومة السورية إلى الإفراج الفوري عن جميع المدنيين المحتجزين تعسفياً وإصدارعفوا أوسع نطاقاً عن السجناء السياسيين.
خلفية
في أذار 2011 ، نزل مئات الآلاف من السوريون سلمياً إلى الشوارع مطالبين بمزيد من الحرية والكرامة بعد سنين طويلة من القمع والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي ذلك الوقت أطلقت الحكومة السورية النار بصورة وحشية على المتظاهرين السلميين المطالبين بالعدالة. ومع دخول العام الثاني عشر من الصراع لا تزال حالة حقوق الإنسان في عزلة، والمعاناة التي يعيشها السوريون منذ عشر سنوات لغاية اليوم، فقد أمست سوريا مرادفاً للموت والدمار وأكبرهجرة بشرية طيلة هذا القرن.
لقد نزح أكثر من 12 مليون مواطن من ديارهم وقُتل ما لا يقل عن 400 ألف شخص، ولا يزال العدد الحقيقي غير معروف ومن المحتمل أيضاً أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
يعيش قرابة 90٪ من سكان البلد تحت خط الفقر، فمنذ عام 2011 أصدرت لجنة التحقيق بشأن سوريا والتي أُنشئت بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان S-17 / 25 تقريراً بتفويض من الأمم المتحدة توثق الإنتهاكات الجسيمة لأبسط حقوق الإنسان في البلد، وتعتمد اللجنة في تقاريرها على مقابلات الشهود والصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية، ومع ذلك، فإن جهود اللجنة لإجراء تحقيق كامل لا تزال مُعرقلة من قبل الحكومة السورية التي تمنع اللجنة من دخول البلد.
حوار تفاعلي
رئيس اللجنة - السيد باولو سيرجيو بينيرو
في بداية الحوار التفاعلي، قدّم السيد بينيرو تحديثاً شفهياً لنتائج اللجنة، وأشار إلى معاناة الشعب السوري لأكثر من إحدى عشر عاماً من الأزمات والصراع. وأعرب عن أسفه لأنه على الرغم من وصف الاقتصاد السوري "بالسقوط الحر" في مجلس حقوق الإنسان الأخير في مارس/آذار 2022 ، إلاّ أن الوضع الآن أسوأ بكثير خاصةً بعد إغلاق المعبر الحدودي الإنساني الأخير المتبقي في سوريا.
أعرب السيد بينيرو عن حزنه لقتل أكثر من 400 ألف شخص مدني وتشريد أكثر من نصف السكّان وتدمير المدن والبنى التحتية في البلاد، ووجود أكثر من 12 مليون سوري يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. وأكد السيد بينهيرو أنه من غير المعقول أن يركّز مجلس الأمن مناقشاته على إغلاق آخر معبر حدودي مصرّح به لتقديم المساعدة، بدلاً من وضع استراتيجيات حول كيفية توسيع نطاق الوصول إلى المساعدات الإنسانية للدولة. وأشار إلى أن جميع أطراف النزاع تقاعست باستمرار عن الوفاء بالتزاماتها للسماح وتسهيل مرور الإغاثة الإنسانية دون عوائق إلى المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء سوريا.
ناقش السيد بينيرو أيضاً حالة أكثر من 100 ألف شخص مدني سوري مفقود أو تم احتجازه بشكل غير قانوني. وأكد أنه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يعيش الناس في خوف دائم من التحدث علانية مع خطر الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو الإختفاء القسري الذي يلوح في الأفق باستمرار. وأشار إلى العفو العام الأخير للرئيس الأسد عن جرائم الإرهاب غير المميتة. ودعا الحكومة إلى تطبيق العفو على أوسع نطاق ممكن، وتوسيع نطاقه ليشمل الجرائم الأمنية والسياسية. كما أدان الممارسات اللاإنسانية للتعذيب وسوء المعاملة للمختفين قسراً والمعتقلين تعسفاً، فضلاً عن الوضع المأساوي لأكثر من 60 ألف معتقل بينهم 40 ألف طفل في مخيم الهول. أخيراً اختتم السيد بينهيرو التأكيد على أن الوضع الإنساني المزري في سوريا لا ينبغي أن يكون سبباً للتوقف عن العمل بل يجب أن يكون حافزاً لمتابعة العمل.
سوريا
بدأ السيد حسام الدين علاء ممثلا لسوريا، بتجديد رفض سوريا لتفويض اللجنة وتقاريرها المنحازة، واتهم اللجنة بادّعاءات متصنعة تتجاهل الأسباب الأصلية للأزمة، وجدد السيد حسام التأكيد على جهود سوريا لاستعادة وترسيخ الأمن والاستقرار في البلد. لكنه أشار إلى أن الجهود السورية تواجه تحدي الاحتلال التركي والإسرائيلي والأمريكي لأجزاء من أراضيها.
واستذكر المجلس بمسؤوليته في رصد وتوثيق ومحاسبة جرائم الاحتلال التركي، واستمرّ في التنديد بتأثير الإجراءات القسرية العالمية والنهب الأمريكي للنفط والغاز والقمح.
وأشار السيد حسام إلى العفو العام الأخير الذي أصدره بشارالأسد كدليل يتعارض مع المزاعم ضدّ الحكومة السورية. واختتم حديثه بتجديد دعوته للمجلس لإنهاء التفويض المُسيس للجنة الذي يفتقر إلى المصداقية والموضوعية، ويشكل بدلاً من ذلك تهديداً للسيادة الوطنية لسوريا والسلامة الإقليمية. وأكد أن تقارير اللجنة مليئة بالاتهامات التي لا أساس لها.
إدانة الحكومة السورية
أخذت العديد من الدول الكلمة للتعبير عن آرائها بشأن تحديث اللجنة وطرح أسئلة على السيد بينهيرو وأعضاء اللجنة: السيد هاني مجالي والسيدة لين ويلشمان.
استهلت ممثلة الاتحاد الأوروبي بتسليط الضوء على دعم الاتحاد الأوروبي المستمر الكامل للجنة، وندّدت بانتهاكات حقوق الإنسان لجميع أطراف النزاع ولا سيّما النظام السوري. وواصلت حديثها عن استيائها من محنة جميع السوريين المفقودين، والعنف الجنسي الذي يرتكبه النظام السوري في مراكز الاحتجاز. وكرّرت الدعوة إلى توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية كوسيلة لزيادة المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وأدلى مندوب بلجيكا ببيان باسم 26 دولة عضو في مجموعة جنيف لأصدقاء الأطفال والنزاع المسلح، حيث أشار إلى أن أطفال سوريا تعرضوا للتشويه والإساءة والاعتقال والتجنيد في نزاع لم يكن لهم أي دور فيه. وأشار إلى أن المدارس والمرافق التعليمية استُهدفت من قبل جميع أطراف النزاع، ولكن بشكل رئيسي من قبل السلطات السورية وحلفاؤها، ودعا المندوب جميع الأطراف إلى الوقف الفوري لجميع انتهاكات حقوق الأطفال.
وأيد ممثلو ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا واليونان من بين ممثلين آخرين بيان الاتحاد الأوروبي. وأكدوا مجدداً أن سوريا ليست قريبة من أن تكون دولة آمنة، حيث يتعرض السوريون لمستوى صاعق من النزوح والاحتياجات الإنسانية، وأُجبرالمدنيون والنساء والأطفال الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالنزاع على تحمل الأثر الوحشي للصراع.
وأدلى ممثل أيسلندا ببيان باسم بلدان الشمال البلطيق، ودعا الممثل النظام السوري إلى التعامل مع قرار مجلس الأمن رقم 2585 ، والسماح بوصول آمن ودون عوائق للمنظمات الإنسانية. واختتم حديثه بالاستفسار عما يمكن أن تفعله الدول لضمان عدم نسيان الجرائم والمعاناة ضد السوريين ومحاسبة مرتكبيها.
وأدانت مندوبة قطر استخدام النظام السوري المتعمد للاختفاء القسري والإعتقالات المتعسفة كسلاح حرب ورحبت بالنتائج التي توصلت إليها اللجنة ومفادها أن النظام يتعمد حجب المعلومات عن حالات الإختفاء القسري عن العائلات وأحبائهم. وأعربت عن أسفها لمأساة التضامن عام 2013 ، مؤكداً أن الوضع لم يعد قضية إنسانية بل أخلاقية.
كما ناقش ممثل تركيا اللقطات الأخيرة التي تُظهر مذابح المدنيين في التضامن عام 2013. وأدان عدم مساءلة نظام الأسد، مشيراً إلى أن 9 ملايين سوري يعتمدون على المساعدات الإنسانية التركية، و كذلك شدد على ضرورة إبقاء الحدود الإنسانية مفتوحة. وختم برفضه القاطع لجميع الادعاءات الموجهة ضد تركيا.
انتقاد أجندة اللجنة المسيسة
انتقدت بعض الدول اللجنة باتباع أجندة مسيسة تهدف إلى التلاعب بمجلس حقوق الإنسان وسلّطت الضوء على أن قرار مجلس الأمن 46/22 الذي أنشأ اللجنة لم يتلق دعماً من سوريا بصفتها الدولة المعنية، وبالتالي تعتبر أبحاث وتقارير اللجنة غير مقبولة و منحازة.
وأدان ممثل روسيا النفوذ الأجنبي في سوريا الذي يزعزع الاستقرار ويقوض السلامة الإقليمية السورية. واستنكر التدابير القسرية الانفرادية الجانب التي فرضها الغرب على سوريا والاتهامات التي لا أساس لها. وانتقد المندوب الهجوم الإسرائيلي الأخير على مطار دمشق وشدد على أهمية إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان للسوريين، لكنه أكد أنّ اللجنة هي وسيلة تمارس من خلالها القوى الغربية أجندتها ضد الحكومة "الشرعية" في سوريا.
رفض مندوب فنزويلا اللجنة وتسييسها ضد سوريا، واتهمها بالتلاعب وتشويه وضع حقوق الإنسان في البلد. وتحديداً أبرز المندوب أنّ تقاريراللجنة لم تذكر "النهب" الأمريكي للنفط والقمح السوري. وأشار إلى التزام سوريا الأخير بالاستعراض الدوري الشامل التي هي الوسيلة الوحيدة المناسبة لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في سوريا دون الاعتماد على الاستخدام السياسي للمجلس من قبل الدول الغربية لدفع أجندتها الخاصة.
ممثلو المجتمع المدني
كان الموقف الساحق للمنظمات غير الحكومية واضحاً ومتجانساً، بأنه لا يمكن إنكار مسؤولية السلطات السورية عن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان للشعب السوري، فقد دعت منظمات المجتمع المدني إلى فرض عقوبات دولية على الجماعات المسلحة والأطراف التي ثبت تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان. ودعت منظمات المجتمع المدني إلى إنشاء آلية مستقلة ومحايدة لتحديد مكان المفقودين، إضافةً إلى ذلك، استكشفت المنظمات الوضع المؤسف لحقوق المرأة والأطفال، وأشاروا إلى أنّ ضعفهم يؤدي إلى تأثيرهم بشكل غير مناسب بالواقع القاسي للحرب.
موقف مركز جنيف الدولي للعدالة GICJ
يرحب مركز جنيف الدولي للعدالة (GICJ) بتحديث اللجنة ويدين الإنتهاكات والمعاناة التي تحمّلها الشعب السوري منذ فترة طويلة، ويحث مركز جنيف الدولي للعدالة جميع أطراف النزاع على وقف جميع أعمال العنف ضد المدنيين. أيضاً ينضم مركز جنيف إلى اللجنة في الدعوة إلى الإنهاء الفوري للتعذيب في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي. يدعو المركز السلطات السورية إلى إصدارعفوا أوسع نطاقاً عن السجناء السياسيين.
ألقت سارة طيارة بياناً مشتركاً نيابة عن مركز جنيف الدولي للعدالة و مركز ميزان لحقوق الإنسان، حيث دعت إلى الإفراج الفوري عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل تعسفي، وسلطت الضوء على معاناة لاجئ سوري التقت به أثناء سفرها إلى مخيمات اللاجئين في لبنان الذي تم اعتقال والده وأخيه وابن أخيه ذو الأربع سنوات.
كما ألقت أمل بشارة بياناً مشتركاً نيابة عن مركز جنيف الدولي للعدالة وجمعية معونة لحقوق الإنسان والهجرة، وشددت على كيفية تجريد ضحايا الإختفاء القسري فعلياً من جميع حقوقهم، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة، بينما يواجه أقاربهم انتهاكات مستمرة لحقوقهم، مثل عدم وضوح الوضع القانوني ومواجهة التمييز الاجتماعي وصمة العار، وعدم القدرة على الوصول إلى مستوى معيشي أو تعليم كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، يدعو مركز جنيف الدولي للعدالة الحكومة السورية إلى ضمان اتخاذ جميع التدابير الممكنة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 24/74 (2019) لتحديد مكان جميع المعتقلين و / أو المختفين، من أجل تحديد مصيرهم ولم شملهم بعائلاتهم.
وبعد سنين طويلة من النظر الى المعاناة السورية، لا بد أن تلتزم الحكومات الدولية التزاماً حقيقياً بتعزيز آليات المساءلة ومحاسبة جميع أطراف النزاع على انتهاك حقوق الإنسان الأساسية للشعب السوري، إننا ننضم إلى استياء اللجنة في مناقشات مجلس الأمن بشأن إغلاق الحدود النهائية للمساعدات الإنسانية، ونعتبر أنّ الوضع الراهن غير مقبول وليس خياراً، فقد حان الوقت لوضع مصالح الشعب السوري فوق أجندات أطراف النزاع.