اشترك مركز جنيف الدولي للعدالة ومنظمة ميزان لحقوق الإنسان (الناصرة) وبالتعاون مع المنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال العنصرية (إيفورد) والمحامين الدوليين، في تنظيم ندوة، بمقر الأمم المتحدة بجنيف، بعنوان "المستوطنات الإسرائيلية والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل". وذلك بتاريخ 17 آذار/ مارس 2017 ضمن فعّاليات الدورة العادية الرابعة والثلاثون لمجلس حقوق الانسان.

وقد بحثت هذه الندوة الروابط المشتركة بين سياسة إسرائيل العامة للتهويد في فلسطين التاريخية، وبالتالي في إسرائيل وفلسطين المحتلة، مع التركيز على الضفة الغربية والنقب، وخاصة من خلال التوسع الاستيطاني. فبالاضافة الى أن الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وأن التمييز المنهجي والمؤسسي ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر يشكل انتهاكاً لأهم حقوق الإنسان الأساسيّة للفلسطينيين، فإن المحنة الفلسطينية تتفاقم بسبب الزيادة الكبيرة في أعمال العنف التي ترتكبها القوات الإسرائيلية والمستوطنين الاسرائيلين خلال السنوات الماضية.

المتحدّثون:

السيد عمر خمايسي: هو مدير منظمة ميزان لحقوق الإنسان. وهو محامي حقوق الإنسان وخريج جامعة عمان. وفي هذه الندوة، أعاد السيد خامايسي عرض شهادات عن مختلف النشطاء السياسيين والأسر الفلسطينية التي فقدت أبنائها في الصراع.

السيد ناصر أبو حمود الدوابشة: شارك في الندوة ممثلا لأسرة دوابشه وقرية دوما الفلسطينية التي كانت هدفا خاصا لهجمات عنيفة قام بها مستوطنون إسرائيليون. وقد فقد عدة أقارب نتيجة لعنف المستوطنين، وتعرضت قريته لتهديد مستمر بالاضطهاد ونزع الملكية والعنف من جانب السلطة القائمة بالاحتلال.
السيد رأفت بدران: وهو والد محمود بدران (15 عاما) الذي قتلته القوات الإسرائيلية. وهو من قرية بيت عور التحتا الفلسطينية بالقرب من رام الله، وقضى 15 عاما في السجون الإسرائيلية، من عام 1985 حتى نهاية عام 1999. وفي 21 يونيو / حزيران 2016، فقد ابنه، الطفل محمود عرفات بدران، الذي كان يبلغ من العمر خمسة عشر عاما

الدكتور داود عبد الله: هو مدير معهد أبحاث مراقبة الشرق الأوسط في لندن. وهو أكاديمي بريطاني معروف ومحلل سياسي واجتماعي. يركز في كتاباته ومحاضراته على السياسة في الشرق الأوسط وبريطانيا والإسلام والعلاقات الإسلامية الغربية. وهو مؤلف عدة كتب، منها "تاريخ المقاومة الفلسطينية" (2005)، وقد قدّم مساهمات كبيرة في منشورات أخرى، وكتب العديد من المقالات عن فلسطين التي نشرتها صحف مثل الجارديان والجزيرة.

السيدة ليزا مارلين غرونيميه: باحثة في مركز جنيف الدولي للعدالة حاصلة على الماجستير في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية من جامعة أمستردام. وهي تركز في أبحاثها على موضوعات مختلفة مثل القوة / المقاومة، والعنف الهيكلي/ النشاط الشعبي، والصراع غير المتماثل، والتدبير الذاتي/ التخصيص وعمليات تحديد الهوية في الصراع، وتوسيع المساحات العامة للتغيير الاجتماعي السياسي. وقد أجرت مشروعاً ميدانيا لمدة ثلاثة أشهر في فلسطين والّفت تقريرا لمركز جنيف يقيّم كيفية تنفيذ إسرائيل لقرارات الأمم المتحدّة بهيآتها المختلفة.

مدير الندوة:

الدكتور أحمد عمارة: المستشار القانوني لمنظمة ميزان لحقوق الإنسان ومحامي حقوق الإنسان وخريج جامعة نيويورك وجامعة إسيكس وجامعة تل أبيب ويعمل حاليا كمحاضر غير متفرغ في جامعة بير زيت وطالب بحوث ما بعد الدكتوراه في الجامعة العبرية. ركّز عمارة في أبحاثه حول التاريخ القانوني والاجتماعي لمنطقة بئر السبع، وعلى قانون الأراضي العثمانية والبريطانية. الى جانب أراضي الوقف في القدس. ولديه عدد من المنشورات حول هذا الموضوع.

النقاش:

قدم السيد عمر خمايسي مذكرة افتتاحية موجزة للندوة من خلال التأكيد على الممارسات الإسرائيلية المتطرفة من العنف والاضطهاد ضد القادة السياسيين مؤخرا.
وشدد الدكتور أحمد عمارة في كلمته الافتتاحية على الصلة المعقدة بين سياسة الاستيطان الإسرائيلية المستمرة في إسرائيل الحالية، وخاصة في النقب، والفلسطين المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والعنف الذي يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون وقوات الاحتلال. فمنذ نشاة إسرائيل، ما فتئت السلطات الإسرائيلية تتبع سياسة تهويد، من خلال اجبار السكان الفلسطينيين الأصليين على الخروج من أراضيهم. والدليل على عنف المستوطنين والاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال، من جانب الجنود الإسرائيليين هائل، وكثيرا ما يؤدي هذا العنف إلى الوفاة أو الإصابة. وشدد الدكتور عمارة على العلاقة بين مشاريع الاحتلال وما يرتبط بها من نظام العنف واللا انسانية التي تسمح بتهجير الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم. وتحت إشراف الدكتور عمارة، سلط المتحدثون الضوء على القضايا الجوهرية للموضوع.

وكشفت مساهمة السيد ناصر أبو حمود الدوابشة عن حجم العنف الذي يمارسه المستوطنون في فلسطين المحتلة. فقبل أقل من عامين، قتل أفراد عائلة السيد أبو حمود من قرية دوما الفلسطينية بوحشية من قبل مستوطنين إسرائيليين إجراميين من مستوطنة غير قانونية قريبة. وكان علي الذي يبلغ من العمر 18 شهرا وشقيقه أحمد ووالدهما سعد وأمهما ريهام نائمين عندما ألقى المستوطنون الإسرائيليون قنابل مولوتوف وأضرموا النار في منزل العائلة ليلة 31 يوليو / تموز 2015. عندما اشتعلت النار في زوايا المنزل، حاول الوالدين إنقاذ أطفالهم ولكنهما استطاعا أن ينقذا أحمد فقط، في حين احترق الرضيع علي وهو حي. واستسلم كلا الوالدين للموت في وقت لاحق متأثرين يإصاباتهما، وتركا الطفل أحمد يتيما وحيدا. وقد أصيب أحمد بحروق في 60 في المائة من جسده وعانى من عواقب نفسية هائلة. اليوم، ولم يعدّ لذلك الصبي الصغير امنية الا الانضمام إلى أخيه ووالديه في الحياة الآخرة.

وأكد السيد أبو حمود أن المساءلة لا تزال غائبة عن قضية القتل البشع لأفراد الأسرة. وان الجرائم التي يرتكبها المستوطنون لا يعاقبون عليها، ولا يتم متابعة ومحاكمة الجناة. وقد أدّى هذا الهجوم إلى تعميق محنة الأسرة التي سقطت ضحية للعديد من هجمات المستوطنين في الماضي، مما جعل الحياة لا تطاق تقريبا. وقد تعرضت الأسرة للإهانات المستمرة والعنف والممارسات التمييزية التي يرتكبها المستوطنون وقوات الاحتلال. وفي ضوء ذلك، أكد السيد أبو حمود أن الحرق المتعمد لمنزل عائلته لم يكن أول جريمة ارتكبها المستوطنون ولن يكون آخرها إذا لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات فورية لمحاسبة إسرائيل، ووقف انتهاكاتها، ومنع العنف من جانب المستوطنين والجنود، وإجراء التحقيقات وضمان المساءلة عن الأعمال غير القانونية.

وروى السيد رأفت بدران الحادثة المروعة لمقتل ابنه البالغ من العمر 15 عاما (محمود عرفات بدران). وكان محمود من بين مجموعة من الأصدقاء الفلسطينيين الشباب من قرية بيت عور التحتا، رام الله، الذين أمضوا المساء في اللعب والسباحة في حديقة (لين لاند) في قرية بيت سيرا القريبة يوم الاثنين 20 يونيو / حزيران 2016. وفي حوالي الساعة 1.30 صباحاً تهيئوا للعودة الى المنزل. وبعد حوالي عشر دقائق، عندما كانت السيارة التي تقلّهم تمرّ قريباً من جسر الطريق المخصّص حصرياً للمستوطنين والمؤدي إلى بيت عور التحتا، استهدفتهم القوات الإسرائيلية بإطلاق نار كثيف، ولم تتوقف السيارة إلا عندما اصطدمت بجدار الجسر.

لقد أدّى هذا الهجوم الرهيب إلى مقتل محمود بدران (15 عاما). وأصيب أربعة آخرون، من بينهم ثلاثة أطفال، وألقت قوات الاحتلال القبض على طفلين وأمهّاتهم. وعندما انتشر خبر الحادث، انتقل الناس إلى مكان مسرح الجريمة لضمان سلامة الأطفال. غير أن الجيش الإسرائيلي منع الوصول إلى الموقع ومنع دخول سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، كما منعها من تقديم المساعدة والمساعدات للمصابين رغم ان جراحهم كانت مفتوحة وتنزف.

واضاف المتحدّث ان الصحافة الاسرائيلية منعت من نشر تقارير عن الحادث بعد ان اتضح ان الامر يتعلّق بالأطفال. وأظهرت كاميرات المراقبة على الطرق الرئيسة في وقت لاحق أنه لم يكن هناك أيّ تهديد - وبالتالي لا يوجد مبرر ممكن لإطلاق النار. وعلى الرغم من ذلك، لم تجرِ حتى اليوم أية تحقيقات أو محاكمة أو متابعة لمرتكبي هذه الجريمة. ان هذه القضية ما هي إلا مثالٌ لسياسة إسرائيل التي تنتهجها في تعمّد إطلاق النار من أجل القتل ضد الشباب الفلسطينيين. وهكذا، أصبحت هذه الحادثة مجرد قضية منسية من قضايا القتل الأخرى.

وأعرب السيد بدران عن أن (محمود) كان أول طفل ذكر أنجبه بعد أن قضى 15 عاماً في السجن. كان أول فرح لوالده. ولدى محمود شقيقة صغرى عمرها تسع سنوات وشقيق، عمره يقارب الثالث عشر عاماً، وقد تأثرت العائلة بشدّة بغياب محمود وتبكيه باستمرار كلما حلّت ذكرى ميلاده.

وفي نهاية مساهمته، روى السيد بدران أن (محمود) كان كأي طفل لديه طموح ومواهب. وكان مليئاً بالفرح والحياة - وليس هناك صورة واحدة له لا يبتسم فيها. كان يحلم بأن يصبح طبيبا للرياضيين، وفي ذلك كان يحلم بالعمل في ريال مدريد، اذ كان معجباً به. وقد انهت الذخيرة الحية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، حلم هذا الطفل، وتركت عائلته بحبة من الرمال يزرعوها لدى زيارتهم لقبره في كل مرة يفتقدون ذاكرته.

وأوضح الدكتور داود عبد الله أن مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يؤسسا لمحاكم تتكفل بمساءلة من يستمر بالانتهاكات. غير أن بعض الدول الأعضاء تستخدم هذه المنصات لتحقيق امتيازاتها الخاصة، مما يعرّض للخطر فعالية هذه الهيئات وشرعيتها. وشدد الدكتور عبد الله على أن المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب يشغلون مناصب رفيعة في هذه المنابر، وتساءل عمّا إذا كانت لدينا فرص حقيقية للعدالة. وعلى وجه الخصوص، تسعى العديد من الجهات الفاعلة والكيانات إلى تقويض قضايا معينة، مثل قضية فلسطين المحتلة، في هذه المحافل. وفي ضوء ذلك، أوصى الدكتور عبد الله بمناقشة مفتوحة حول منصات مجانية للشباب.

وعلاوة على ذلك، عارض المتحدث الفكرة التي يقودها يروج لها بعض الغربيين من أن إسرائيل هي "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"،. وأكد أن فشل الديمقراطية يفسح الطريق للفصل العنصري والفاشية والنازية كما شهدنا في العشرينيات. وشدد الدكتور عبد الله في ملاحظاته الختامية على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم بمثل هذا الحجم لمنع الفوضى الكاملة.

وقدّمت الباحثة ليزا مارلين غرونيميه تقريراً بعنوان: "فوق القانون: عدم تنفيذ إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة"، بتكليف من مركز جنيف الدولي للعدالة. في غضون نصف قرن من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي لفلسطين وسبعة عقود منذ النكبة الفلسطينية عام 1948. يقيّم تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة مدى تنفيذ إسرائيل للقرارات المتعلقة بفلسطين وحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة الرئيسية في الفترة من 1948 إلى 2017. وأشارت السيدة غرونمييه أن التقرير يركز على المجالات الستة التالية، التي تعالجها دوريا قرارات الأمم المتحدة:

1.  حق الفلسطينيين في تقرير المصير
2. الوضع القانوني والجغرافي والديموغرافي لفلسطين المحتلة
3. اللاجئون الفلسطينيون والمشردون
4. الحوكمة والموارد الطبيعية والاقتصاد
5.  العسكرة والعمليات العسكرية
6. حقوق الإنسان الفلسطینیة

وبسبب ضيق وقت المداخلة، ركزّت السيدة غرونيميه على الوضع الثاني، أي الوضع القانوني والجغرافي والديموغرافي لفلسطين المحتلة. وبعد أن أوجزت النتائج الرئيسية للتقرير، تطرقت ليزا الى العلاقة بين الممارسات الاستعمارية والتمييزية لإسرائيل والانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان،

إسرائيل انتهكت بشكل صارخ جميع قرارات الأمم المتحدة التي انتقدت أنشطتها غير المشروعة وعواقبها الوخيمة على الفلسطينيين، وفي الختام، أوضحت السيدة غرونيميه حجّة التقرير القائل بأن نظام الاحتلال والفصل العنصري، والتمييز ضد الأقليات الإثنية والسياسية داخل إسرائيل، يجب تفكيكه لفسح المجال أمام الديمقراطية الحقيقية والسلام في المنطقة لصالح جميع المواطنين. وفي حين أن الجهود الدؤوبة التي بذلتها عدة دول أعضاء لاتخاذ التدابير القسرية اللازمة من خلال مجلس الأمن لجعل إسرائيل تمتثل لالتزاماتها الدولية قد أعيقت مرة أخرى بسبب حق النقض في الولايات المتحدة، ويؤمن مركز جنيف الدولي للعدالة بعمق أنه دون اتخاذ التدابير القسرية المطلوبة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، سوف تستمر الانتهاكات الإسرائيلية.

واختتم الدكتور احمد عمارة الندوة بملاحظات أخيرة. بعد ذلك، فتح المجال للنقاش وطرح الأسئلة والتعليقات من قبل الحضور.

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة